يُبدي قطبٌ في 14 آذار استغرابه من حوار العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، ويختصر المعادلة بالآتي: إستمدّ جعجع شرعيةً سياسية كبرى بعد العام 2005، من صلابتِه في مواجهة المشروع السياسي العوني الذي ارتمى في أحضان «حزب الله» والنظام السوري، أمّا عون فقد سرَق شرعيته في العام 1988، من خلال اصطناع مواجهة مع السلاح غير الشرعي و»الميليشيات»، كما كانت تسمّى حينها.
يضيف القطب في 14 آذار: اليوم نرى مشروع حوار بين الرجلين، ونسأل عن أجندة هذا الحوار، وهل سيكون محصوراً بالانتخابات الرئاسية، أم أنه سيمتد الى قضايا أعمق؟
يعكس كلام القطب الـ 14 آذاري، خشيةً على الدكتور سمير جعجع، لا خشيةً منه. فالرجل شكّل منذ العام 2005 على الأقلّ ضمانةً في داخل ثورة الأرز، فلم يساوم يوماً، ولم يضطرّ تحت أيّ ضغط إلى الدخول في تسويات، وباستثناء الموقف من القانون الأرثوذكسي الذي اضطرّ لتأييده كي يستولد توافقاً على القانون المشترَك، فقد بقيَ بمنأى عن التعرّض لآفة التنازلات، فاحتفظ بصورة رجل الثوابت الذي لا يساوم.
في حوار جعجع مع عون أفخاخ كثيرة، لن يقع فيها عون بالطبع، وقد لا يكون قدر جعجع أن يدفع ثمنَها، كما في القانون الأرثوذكسي. يذهب جعجع إلى الحوار مع عون في حلبتِه المفضّلة، وفي هذا خطورة استعادة مشهد الأرثوذكسي، حيث حصل اتّفاق على تأييده بين عون وجعجع، مع تأكيد الأخير على حقّه في التنصّل منه إذا نال قانون انتخاب معقول، في حواره مع المستقبل والاشتراكي.
عندما فوجئ جعجع بالآلة الإعلامية العونية وهي تشنّ عليه أقسى الحملات، كان يبدو وكأنّه تعرّف إلى العماد عون في اللحظة نفسِها. كانت مفاجأته ناتجة من عدم تقدير ما يمكن أن يستعمله عون من الوسائل الشعبوية. لم يتحسّب إلى أنّ زيارة جبران باسيل وإيلي الفرزلي إلى معراب كانت مجرّد استدراج إلى حلبةٍ لا يستطيع أن يصارع فيها.
ولم يتحَسّب لكون باسيل والفرزلي وعون من ورائهما، أنكرا كلّ ما قاله وتعهّد به بأنّه قبلَ بالأرثوذكسي من أجل نَيل القانون الأفضل، فكان أن أفلتت وسائل إعلام عون وحزب الله عليه، إلى حدّ جعلته رغم براغماتيته في السياسة، يصف في مجالسه عون بالحالة السرطانية داخل الجسم المسيحي.
لم يتغيّر الكثير في المشهد الرئاسي. بالأمس فقط مارس عون بحقّ جعجع مزيداً من الحملات الشعبوية. وضع أسماء الشهداء داني شمعون وطوني فرنجية وغيرهم، في مغلّفات نوّابه، ونبَش قبورَ الحرب، تحت يافطة محاربة « المجرم الوحيد» سمير جعجع. فتحَ العماد عون أبوابَ الرابية لهذا الحوار العاطفي الدافئ، مع رسول «المجرم الوحيد»، ونسيَ أوراق نوّابه البيضاء والسوداء، وهذا غير مستغرَب بالنسبة لعون، الذي سبقَ له في العام 1988 أن التقى «المجرم الوحيد» في وزارة الدفاع لقطعِ الطريق أمام التمديد للرئيس أمين الجميّل.
لكن ماذا عن جعجع؟ ماذا عن حواره مع الجنرال الذي يملك أمام جمهوره الهانئ، تحويلَ جعجع في لحظات، من «مجرم وحيد»، إلى بطل شريك في استعادة حصّة المسيحيين في النظام؟ وهل يمكن لجعجع أن يتحمّل مرّةً أخرى وِزر اتّهامه بأنّه أضاع فرصة توَحُّد المسيحيين حول الرئيس القوي، المطوَّب عنوانه حصراً باسم العماد عون؟
لن يستطيع جعجع فرضَ أجندة حوار سياسية مع عون. إنّه حوار التفتيش عن السمك في بحر عميق من الديماغوجية والماكييفيلية.
الجنرال لا يحاور في دعمِه لسلاح حزب الله في لبنان وسوريا، ولا يحاور في موضوع المحكمة الدولية، ولا يحاور في ضبط الحدود، ولا في في الاستعانة باليونيفل. سيحاور الجنرال رئيس القوات، في بندٍ واحد، يتلخّص في كيفية الوصول إلى بعبدا، وسيرفض جعجع، لكنّه لن يخرج من هذه الحلبة إلّا ويكون قد أعطى عون غطاءً لمعركته المسمّاة استعادة حقوق المسيحيين، وهي بالفعل استعادة حقوق الجنرال في الرئاسة التي «سرَقها» منه الآخرون.