IMLebanon

جعجع يصطاد في الماء العكر

تسارع الاحداث الاقليمية والدولية لم يغير من «اجندة» قوى 14آذار المثيرة «للتعجب»، فبينما ترسم خرائط المنطقة عسكريا، وسياسيا، وربما جغرافيا، وفيما يفرض حزب الله نفسه «لاعبا» رئيسيا بين القوى «العظمى» المتصارعة على الارض السورية، يتلهى فريق «السيادة والاستقلال» بالتنافس على نيل رضى السعودية، وفي غياب «الاستراتيجية» «الملكية» بفعل حالة الارباك غير المسبوقة في دوائر القرار السعودي، «يجتهد» تيار المستقبل فيخطىء، فيدخل رئيس القوات اللبنانية على خط الاستغلال لتقديم نفسه حليفا لا يرتكب الهفوات… فيا لها من منافسة، ويا له من فريق سياسي يبحث عن «التسلية» في «زمن» «البطالة» السياسية.

هذه الخلاصة، لاوساط سياسية مطلعة على «صغائر» و«كبائر» هذا الفريق، تشير الى ان ما تبين من خلال اتصالات الساعات القليلة الماضية يفيد ان ثمة من «اجتهد» فاخطأ في «التيار الازرق»، وثمة ارباك اصيبت به السفارة السعودية في بيروت ازاء افتعال الوزير نهاد المشنوق للازمة مع حزب الله، المطلوب استمرار «خط التوتر» على حاله، لكن المطلوب ايضا عدم «كسر الجرة»، هذه الاجواء عاد بها النائب وليد جنبلاط من السعودية، سمع كلاما كبيرا عن الحزب لكن بقي تحت سقف الحفاظ على الاستقرار الداخلي. وعندما راجع السفير علي عواض العسيري وزير الداخلية حول خلفية هذا التصعيد «غير الموقف» في توقيته، سارع الاخير الى التأكيد انه لم يخطر في باله ان الامور ستأخذ هذا المنحى «الدراماتيكي»، وبحسب المعلومات فقد فوجئ عندما تم ابلاغه بمضمون رد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على خطابه، لم يتوقع هذا الموقف «الحاد»، لم يكن في اجواء وجود نوايا مبيتة عند الحزب للانسحاب من الحوار والحكومة، كان مقدرا ان يصرف هذا الخطاب في «الشارع» «المستقبلي»، لا اكثر ولا اقل. لكن المفاجأة غير المتوقعة جاءت من مكان آخر، واحرج السيد نصرالله الجميع في الداخل والخارج، وحتى الرئيس سعد الحريري لم يتمكن من ممارسة «هوايته» بالرد مباشرة على كلامه، وفهم لاحقا ان ثمة طلباً سعودياً بسحب فتيل «الانفجار» والابقاء على «التوتر» الذي ترجم ببيان كتلة المستقبل.

لكن ثمة من كان ينتظر «الاصطياد بالماء العكر»، رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع وجد الفرصة ليقدم نفسه كحليف اكثر قدرة على التعبير عن موقف المملكة، استغل مجددا «الهفوة» الجديدة «للمستقبل»، رتب لقاء مع الاعلاميين للحديث عما يرضي السعودية في هذا التوقيت،»اطلاق النار» على حزب الله دون التسبب باصابات قاتلة، ولذلك كرر الكلام التشكيكي نفسه متسائلا عن الشراكة «وهل شاركونا كلبنانيين مرة في قرارات الحرب والسلم التي يتخذونها؟ عندما قرروا المشاركة في حرب سوريا هل سألونا رأينا؟». وهو يدرك ان الاجابات سبق للحزب ان قدمها على طاولة الحوار عندما اكد ان الاجماع لم يكن يوما مطلوبا حول القضايا المصيرية، ولو انتظر الحزب موافقة «الحكيم» على مقاومة اسرائيل مثلا، لكانت دباباتهم لا تزال في بيروت. ولو انتظر موافقته ايضا على الحرب الاستباقية ضد «التكفيريين» في سوريا، لكان ابو بكر البغدادي في قصر «الخلافة» في معراب.

اما ما كشفه جعجع بأن المسؤولين الإيرانيين أبلغوا إلى مراجع دولية، صراحةً، وللمرة الأولى، أنهم يوافقون على انتخاب رئيس جمهورية للبنان، بلا لون ولا طعم، ولكن بشرط أن تقبل دول العرب والغرب ببقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا، فامر مثير «للغثيان» «والشفقة» ونوع من «الهذيان» السياسي لارضاء المملكة «الغاضبة» من طهران. «والاكيد» برأي اوساط في 8 آذار، انه اذا اختلى «الحكيم» بنفسه وطرح سؤالا بسيطا عن قيمة الرئاسة اللبنانية «المادية والمعنوية» بالنسبة لطهران ودول الاقليم والقوى الدولية، كي توضع على «الطاولة» كمادة تفاوض مقابل الرئيس السوري، لاستنتج «بنباهته» المعهودة ان اقل ما يقال بهذه المعادلة انها «سطحية» ولا تستحق النقاش.

فلا طهران دولة ساذجة لتطرح مثل هذه «المقايضة» السخيفة، ولا «خصومها» لا ينامون الليل لاتمام الاستحقاق الرئاسي اللبناني لدرجة استعدادهم لعملية تبادل غير متوازنة على كافة المستويات. لكن للضرورة احكام، و«الحكيم» يحتاج الى «افكار» عظيمة لمقارعة «زلات» تيار المستقبل، ونيل وسام «درجة الاستحقاق» من قبل المملكة التي باتت تدرك انها لا تنفق ثروتها «كيف ما كان»…

وتلفت تلك الاوساط الى ان هذه المعلومات المستقاة من مصادر ذات مصداقية عالية، تؤكدها مقاربة جعجع لفريق 14آذار عندما لاحظ اختلافا بين فريقين الاول يرى أن «الحشرة» تستلزم القبول بالحد الأدنى، وفريق «القوات» الذي يتمسك بالحد الأقصى إلى أن يحين وقت التفاوض الحقيقي، وعند ذلك يكون التنازل محدوداً، سواء تعلق بمعركة رئاسة الجمهورية أو تأليف حكومة أو التهديد الأمني. وهذه الانتقادات موجهة من قبله الى «التيار الازرق» الذي يتخبط في خياراته «التكتيكية» والاستراتيجية، مخاطبا السعودية، لافتا عنايتها الى صوابية خياراته السياسية.

لكن ما نفع صوابية خياراته واين تصرف؟ توقيت القمة الروسية- السورية «سخف» كل ما حوله من مواضيع، حظ «الحكيم» عاثر، المملكة اصيبت بصدمة كبيرة ستشغلها عن «الصغائر»، فسواء غادر الرئيس السوري بشار الاسد دمشق الى موسكو وعاد منها على متن الطائرة الرئاسية الروسية، او عبر رحلة سرية حمتها الطائرات الروسية، فان هذا تفصيل صغير في المعنى الحقيقي «للرسالة» الروسية الحاسمة في الموقف ازاء الحرب في سوريا،لا فصل بين الدولة السورية، ورئيسها، والجيش، الجميع شركاء موسكو في الحرب على الارهاب، واذا كانت لا مساومة على النظام في دمشق فحتما لا مساومة على الرئيس. «الصورة» شكلت خيبة امل كبيرة، واشنطن لا تستوعب هذا الاندفاع والتحدي الروسي، من الواضح ان روسيا تستعد «للقفز» على التفاهمات الجزئية التي ترتبت مع الإدارة الأميركية بخصوص الوضع المعقد في سوريا، وفي غياب الوسائل والآليات المطلوبة الآن لدى الإدارة الأميركية للحد من الطموح الروسي الرامي إلى السيطرة على ملفات الطاقة في المنطقة، فان الاتي الميداني سيكون «اعظم».

اما تركيا – السعودية – وقطر، فأدركت متأخرة ان ثمة «سيناريو» يجري العمل على تنفيذه بالتدرج، قبل ساعات من القمة الروسية – السورية، اعلنت ايران انها زادت من عديد مستشاريها في سوريا بطلب من الحكومة السورية، وهذا يعني بطريقة «مواربة» ضخ المزيد من المقاتلين الى ساحة العمليات، ولذلك فهي ازاء موقف لا تحسد عليه، خصوصا ان الوفد السعودي الرفيع المستوى غادر الاراضي الروسية قبل ايام قليلة، امضى جل وقته هناك يحاول اقناع بوتين «بفوائد» التخلي عن الاسد، وقد جاء الرد الروسي سريعا في الميدان عبر تكثيف العمليات والغارات الجوية على مواقع المسلحين المحسوبين على هذا المحور، وفي السياسة جاء لقاء بوتين – الاسد بمثابة «الصفعة» المدوية لكل من كان ما يزال يراهن على انقلاب في الموقف الروسي…

هذه التطورات تزيد من عمق «غرق» الملف اللبناني الى «القاع»، وتزيد من عزلة حلفاء السعودية في لبنان، وتعطيهم مساحة اوسع «للمماحكة»، اما التعويل على اسلحة «فتاكة» للمعارضة السورية لهزيمة روسيا، كما توقع «الحكيم»، فهي جزء من «احلام» اليقظة، يمكن صرفها في ارضاء السفارة السعودية، اما تقديم تطمينات حول عدم حصول «7 أيار» جديدة فقط لأن الجيش بقيادة العماد جان قهوجي الذي يمسك البلاد حالياً ولا يتهاون، فلا تستحق اي تعليق…؟