ليس اكثر وضوحاً في مشهدية 14 آذار من تلقي الضربات المتتالية سوى ذاك التجاهل الكامل من قبل الرئيس سعد الدين الحريري لحلفائه لحظة اطلاقه التسوية حول انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، فلا هو معذور حتى الساعة ولا استطاع ان يمحي خطأ تغيّب الحلفاء وعلى رأسهم القوات اللبنانية وبالتحديد الدكتور سمير جعجع الذي يحمل من خلال صمته في الاسابيع الماضية وحتى الساعة لوماً كبيراً انما مبطن لم يفصح عنه، فيما ترى مصادر على صلة بالقوات اللبنانية ان كل شيء في معراب صامت وهادئ جداً فيما الآخرون يحاولون لملمة شر البلية وما صنعت اياديهم، فالحكيم ليس لديه روزنامة عمل للمحاسبة لأي طرف بمقدار العمل الدؤوب على تمتين صفوفه التي باتت اقوى من ذي قبل بفعل موقعه الذي يمكن وضعه في صيغة المقرر لمجرى السياسة المحلية، فهو حسب هذه المصادر في موقع المنتظر لان فعل الحاجة اليه كبير وواسع بحيث يبدو ان اطرافاً كثيرة تقف في مكان المنتظر لقرارات القوات وتحديداً جعجع وعلى أساسها يمكن «الخربطة» او السير بما يقدمه الآخرون من ايضاحات وتفسيرات تمهيداً لقناعة مبنية على الاسس التي انشئت من اجلها القوات اللبنانية، لا ريب تقول هذه المصادر، ان قراءات معراب للاحداث السياسية المحلية والاقليمية أضحت حقيقة وموضوعية مقارنة مع اطراف آخرين لامسوا الأوضاع من اطرافها وتحكم بهم الندم فيما بعد.
وللدلالة على هذه القراءة فان الاوساط نفسها تسرد بموضوعية عمل القوات منذ ما قبل تأليف حكومة تمام سلام الحالية وفق الآتي :
– أولاً: اعتمدت القوات اللبنانية سياسة المنشأ القواتي المبني على عناوين شكلت منذ فترة بعيدة دستور عمل لها والدلائل واضحة فهي رفضت المشاركة في الحكومة الحالية ليس من باب الغنائم والحصص انما من شباك الصدق مع ما تؤمن به ولا تستطيع التخلي عنه، فالقواعد الشعبية لديها يتحكم بها الملل والغمز واللمز اذا ما لاحظت دعسات ناقصة لم تحصل في الاساس لكنها تولول بصمت حول معراب ودون همروجة تمهيداً لوصولها الى مركز القرار الذي يعالجها ووفق رؤية المبادئ وتطلعات الجمهور القواتي، فلا دعسات يمكن وصفها بالناقصة حتى الساعة وفق هذه الاوساط، ذلك ان رؤية جعجع للعمل الحكومي كانت واضحة منذ مشاورات التأليف وتتلخص بأن مجلس الوزراء الحالي لن يكون منتجاً لا بل معطلاً للحياة في البلاد، اصابت القوات في خيارها هذا وها هي الحكومة تترنح تحت ضربات اصحابها مشلولة ومكبلة وغير ذي فائدة.
اما كيف عرفت القوات مسبقاً مصير هذه الحكومة فإن هذه الأوساط تقول انها في بدء الامر غير متجانسة في ادارة شؤون الناس وصولاً الى حبل كبير من التناقضات داخلها جعلها تلف حبل المشنقة حول رقبتها بالرغم من كون جعجع يضع العلاقات الشخصية مع رئيس الحكومة في اطارها الممتاز الا ان هذا شيء وذاك امر يتعلق بمصير البلاد شعباً ومؤسسات، فالشعب يتحكم به القرف والمؤسسات تتفكك رويداً رويداً، طبعاً هذه المصادر تنقل عن جعجع عدم اعتماده مبدأ الشماتة ما دامت المصلحة الوطنية معرضة للاخطار الكبيرة.
ثانياً: رفضت القوات اللبنانية منذ البدء المشاركة في طاولة الحوار ليس على خلفية استبعاد التقارب انما للعلم واليقين ان مضيعة الوقت وايهام الناس ان الحل على هذه الطاولة امر لا يمكن لجعجع القبول به، وها هي الايام بينت ان المتحاورين تتشابه طاولتهم من حيث الشكل والمضمون مع مائدة الرئيس نبيه بري للمتحاورين من حزب الله وتيار المستقبل بحيث غابت اي نتيجة عن الحوار الموسع بل ان احزاباً من داخلها تماشوا مع موقف جعجع في التهديد بالغياب وعدم الحضور!!!
ثالثاً: ارددت القوات نحو بيتها الداخلي وعملت على مناعته متوجهة نحو الآخرين فكانت ورقة النيات مع التيار الوطني الحر التي ارخت الاسلاك المشدودة بين الحزبين وارتاحت القواعد الشعبية الى هذه الخيارات واصبح ظهر المسيحيين اقوى من ذي قبل بفعل ورقة التقارب خصوصاً ان القوات والتيار يمثلان قوة مسيحية في المرتين الاولى والثانية مع عدم اغلاق الابواب في وجه القوى الأخرى وفي هذه الورقة كان الميزان مائلاً نحو معراب فهي قدمت النيات ولم تدخل في عمق التفاهم فيما العونيون كانوا يرغبون بالمزيد، وفي هذا الاطار تقول هذه الاوساط ان خيارات القوات مفتوحة ومرتاحة في آن معاً على ما يأتي :
أ ـ اذا استمر المستقبل في تسويته الرئاسية التي لم تقنع القوات بالرغم من زيارات مستشاري الرئيس سعد الحريري الى معراب والتي لم تفض الى شيء يذكر في هذا المجال بالذات، ولا تستبعد القوات التوجه نحو ترشيح العماد ميشال عون وهناك اشارات متعددة في هذا المجال منها تم ذكره على ألسنة السياسيين والآخر كان اكثر وضوحاً على لسان القيادي ادي ابي اللمع ورئىس مصلحة النقابات في القوات شربل عيد، وبغض النظر عما اذا كان هذا الخيار يمكن استعماله كعصا في وجه التسوية الرئاسية الحالية فان عدة دردشات في معراب وصلت الى الرابية عن امكانية الاقدام على هذه الخطوة.
ب ـ اعلن جعجع صراحة في اليوم الثاني لاطلاق مبادرة الحريري الرئاسية ان لهم 14 آذارهم ولنا 14 آذارنا وهذه لا يمكن مصادرتها، وهذا الكلام يفصح عن ان رئىس القوات عازم على الذهاب بعيداً في معارضته خيار التسوية حتى ان هذه الاوساط وضعت كلام جعجع هذا في اطار التصنيف والغربلة لاكمال مسيرة القرار السيادي في البلد حتى ولو تركه آخرون.
ج ـ يعي جعجع ان امكانية توسيع مؤيدي مبادرة الحريري تراوح مكانها خصوصاً ان هناك معترضين من داخل البيت الازرق ذاته يضاف اليهم التيار الوطني والقوات وخجل الكتائب التي تؤيد ولا تقدم واذا ما تقدمت في الايجابية تضع خطاباً معقداً لا يمكن فهمه في درب التسوية.
د ـ على ان وسائل التواصل الاجتماعي شهدت تأييداً من قبل القواعد الشعبية لترشيح عون من قبل جعجع وتمت ملاقاتها بالترحيب من القواتيين بالرغم من ابتعاد الخطاب الرسمي عن هذا الخيار الا ان العونيين انفسهم يعتبرون من مفصلاً هاماً من الرئاسة بات في يد الدكتور جعجع.