جعجع «يستعجل» الحوار مع عون: «هواجس» إقليميّة وخوف من «دفع الثمن»؟ تطمينات بري «رسالة» الى بكركي والقوات.. وغياب دور المسيحيين يُقلق «الكنيسة»..
حرص رئيس مجلس النواب نبيه بري «راعي» الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل على رفد البيانين المقتضبين اللذين صدرا عقب اول اجتماعيين حواريين بتاكيدات قد تكون للمرة الالف، بان لا مؤامرة سياسية تستهدف المكون المسيحي، ولا تفاهمات رئاسية وغير رئاسية على حسابه، تطرح علامة استفهام حول طبيعة هذه «الرسالة» والاطراف المعنية بها؟ فهل حقيقة ما تزال ثمة هواجس تستدعي هذه التوضيحات؟ وهل القلق مشروع وحقيقي؟
اوساط سياسية في 8 آذار ومتابعة عن كثب لهذا الملف، تلفت الى ان ثمة طرفين مسيحيين لا يزالان يشعران بالقلق، ويحتاجان الى هذه الجرعات المستمرة من التطمينات، مسيحيو 14 آذار، وخصوصا القوات اللبنانية، وبكركي، فيما تجاوز رئيس تكتل الاصلاح والتغيير الجنرال ميشال عون مرحلة القلق ويشعر باطمئنان كبيرالى حليفه حزب الله، وهو بات يعرف جيدا، بعد لقاءات رفيعة المستوى مع قيادات في الحزب، انه عندما يجلس من دونه على طاولة التفاوض مع تيار المستقبل تكون «ملائكته» حاضرة هناك، وباتت هناك قناعة راسخة لا تقبل اي تأويل، بأن حزب الله لن يقبل اي مقاربة رئاسية لا تكون منسجمة مع تطلعات عون، «ونقطة على السطر». اذا هو غير معني بهذه «الرسائل» خصوصا انه على اطلاع دائم على مسار الجلسات الحوارية وهو يعرف جيدا انه سيكون عند «خط الوصول» في نهاية هذا «الماراتون» الحواري، ومكانه محفوظ في القضايا التي تعنيه مباشرة.
في المقابل، تشير اوساط مسيحية الى ان الكنيسة المارونية لديها الكثير من «الهواجس» ليس حيال جلوس حزب الله وتيار المستقبل على «طاولة الحوار»، فهذا الامر مطلوب ومرغوب به اذا ما كانت خلاصته تعزيز الاستقرار الداخلي، لكن القلق الحقيقي يتمثل في غياب قدرة المسيحيين على التأثير في الواقع السياسي اللبناني، فمجرد اختزال حل الازمات الداخلية بامكانية التفاهم بين المكون الشيعي والسني في البلاد، وغياب المكون المسيحي عن الطاولة بعد «اجهاض» «اعلان بعبدا» الذي كان برعاية رئيس الجمهورية اللبناني ميشال سليمان، وهو كان بمثابة «الارضية» الجامعة بين مختلف مكونات العائلات الروحية اللبنانية، فهذا الامر يعد بالنسبة الى الكنيسة «رسالة» بالغة الدلالة على غياب تاثير المسيحيين في الحياة السياسية اللبنانية، وهذا يعزز مشاعر التهميش.
وبحسب المعلومات، ثمة ادراك لدى بكركي بان الشغور الرئاسي في بعبدا ليس اولوية عند المتحاورين، وعندما حاول مقربون من الكاردينال بشارة الراعي الاطلاع على حجم اهتمام المتحاورين في عين التينة بالملف الرئاسي، فوجئت بوجود برودة مثيرة للقلق، فبكركي التي لا ترغب ابدا في ان يقرر حزب الله وتيار المستقبل مصير هذا الملف بمعزل عن رغبات المسيحيين، فانها تدرك ايضا ان هذين الفريقين يملكان من القوة والنفوذ في الداخل وعلى مستوى العلاقات الاقليمية ما يجعلهما اكثر قدرة على تحريك هذا الملف، وغياب الجدية في هذا السياق يبررالخشية من ان يطول هذا الفراغ بسبب ربط هذا الملف بالتطورات الاقليمية، والكنيسة تدرك جيدا انه عندما يحين موعد الحسم «الاقليمي» لن تكون مصالح المسيحيين في الحسبان، وانما موازين القوى الاقليمية التي ستأتي بالرئيس الذي سيكون على قياس الواقع الجديد. هذا ما يدفع بكركي الى القلق، وهذا ما يدفع المطارنة الموارنة الى التشكيك بنجاح الحوارات في البلاد والتعبير عن الخشية من ان تكون لادارة المرحلة، فالخوف هو من «اليوم التالي» خصوصا ان الكنيسة تقف موقف المتفرج غير المؤثر بعد ان «خذلها» القادة المسيحيون وخرجوا من تحت عباءتها، ومن الطبيعي ألا يقف الاخرون عند «خاطرها» عندما يحين موعد «التسويات الكبرى».
ووفقا لتلك الاوساط في 8 آذار، فان كل محاولات رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع لاظهار عدم قلقه مما يجري، لا يمكنها ان تخفي وجود مخاوف عميقة من احتمالات دفع «الثمن» مرة جديدة، فـ«»الحكيم» غير مرتاح الى مسار الامور، واقباله على الحوار مع «الجنرال»، محاولة في هذا السياق لحجز مكان على «الطاولة» قبل فوات الاوان وخروج الامور عن السيطرة، فهو من خلال المراسلات مع الوسطاء العونيين يحاول إقناع عون بالقبول بمرشح ثالث يكون توافقيا بين القوات والتيار الوطني الحر، تحت شعار تجنب الاسوأ، ونظريته تقوم على قاعدة اختيار رئيس بالتفاهم مع «الجنرال» قبل ان يفرض الاخرون رئيسا من خارج «النادي» الذي يمكن تسويقه والقبول به مسيحيا، لكن عون لم يستسلم حتى اليوم لهذا الواقع، ويدرك جيدا ان القوات تريد اخراجه من «اللعبة» فقط، وهو لا يريد ربط مصيره بمصير «القوات» التي قد تخرج من «المولد بلا حمص»، ولذلك كان «الجنرال» صريحا وواثقا من خياراته، عندما قال قبل ايام انه لن يكرر تجربة «صانع الملوك»، فالمؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين، وهذا يعني انه ما يزال مؤمنا بحظوظه الرئاسية ويريد ان يستمر لاعبا رئيسيا في «الملعب» ولا يريد حرق المراحل، كما يريد جعجع، فبرأيه زمن المقايضة لم يحن بعد، ولذلك فلا داعي لتقديم اي تنازلات مجانية.
طبعا فان استعجال «الحكيم» التفاهم على الملف الرئاسي له اسبابه الموضوعية تقول الاوساط في 8 آذار، فهو يدرك ان التطورات الاقليمية ليست في صالح فريقه السياسي، وحتى لو راعى تيار المستقبل هواجس حلفائه المسيحيين، فان الخشية في عدم قدرة الرئيس سعد الحريري على الالتزام بوعوده تجاه حلفائه، ويخشى جعجع من اليوم الذي سيضطر رئيس الحكومة الاسبق الى ابلاغه بأسف بأن الظروف غير مؤاتية وتياره السياسي مضطر الى الاستجابة الى «التمنيات» السعودية في الاستحقاق اللبناني لان المصلحة الكبرى في المنطقة تقتضي ذلك. هذا حصل في الماضي في الملف الحكومي ولا شيء يمنع تكراره في المستقبل.
اما المعطيات المقلقة فتتعلق بشكل مباشر بتطورات الازمة السورية، والقلق الجدي لدى «الحكيم» ليس فقط من نجاح الإيرانيين في الإبقاء على النظام السوري والرئيس بشار الأسد، والانعكاسات المرتقبة على الوضع البناني، باعتبار ان ما يحصل في سوريا هو مفتاح الأمن والسياسة في لبنان، وانما الهلع الحقيقي بحسب الاوساط، من الموقف الاميركي، فرئيس القوات يعرف من خلال خبرته الطويلة ان «اصدقاءه» الاميركيين سيعترفون بالواقع الإقليمي الجديد، وهم غير مستعدين للدخول في مواجهة لم يقوموا بها قبل اربع سنوات، وهم يلهثون وراء اتفاق مع ايران سيجعل منها «رأس حربة» النظام الاقليمي الجديد بعد ان نجحت في اقناع الغرب بانها الاصلح لمواجهة الجماعات التكفيرية مثل »داعش» في سوريا والعراق، وهي اليوم تشارك عمليا في القتال الى جانب التحالف الدولي في قصف مواقع «التنظيم»، والاميركيون يغضون الطرف بل يشجعون ويدعمون وجود قوات النخبة في الحرس الثوري الايراني على الساحة العراقية وفي سوريا، وهذا يعني حكما اعترافا بدور حزب الله في مكافحة الارهاب على الساحة اللبنانية وفي سوريا، وهذا يعني ايضا تعزيزا لدوره على الساحة اللبنانية، و«الحكيم» سبق وحذر الرئيس الحريري من «لعبة الوقت» وابلغه انها لن تكون لصالح تيار المستقبل على المدى المتوسط والطويل، دون ان يؤثر ذلك على انطلاق حوار «عين التينة»، ومن هنا يمكن فهم تخصيص جعجع، ومن خارج اي سياق منطقي في مؤتمراته الصحافية، وآخرها بالامس، فقرة خاصة للتحذير من خطر حزب الله على البلاد. هو يقول بما يؤمن به، ولكنه يدرك انه غير قادر على تغيير الوقائع في «لعبة» تتخطى قدرته وقدرة فريقه السياسي، ومن الواضح ان تطمينات الرئيس بري لن تنزل «بردا وسلاما» عليه، وسيبقى قلقا لان مخاوفه تتجاوز الملف الرئاسي ودور المسيحيين، وترتبط بخسارة رهان اقليمي ستكون تداعياته كبيرة.