Site icon IMLebanon

جعجع في السعودية: حليف فوق العادة

ليست أهمّية زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في نوعية الاستقبالات واللقاءات التي أعِدَّت له في المملكة العربية السعودية، ولا في توقيت الزيارة ودلالاتها، ولا في كون علاقته بالمملكة أصبحَت على جانب كبير من الثبات والتطوّر.

ليس لكلّ هذه الأسباب فقط تكمن أهمّية الزيارة، بل لأنّها أكّدت المؤكّد، وهو أنّ جعجع بات لاعباً أساسياً معترَفاً بدوره من إحدى أكبر الدوَل الإقليمية، المعنية بلبنان والمنطقة.

لم يسبق أن بُنيت علاقة بهذا المستوى بين السعودية والزعامات المسيحية حتى التاريخية منها، من كميل شمعون الى بيار الجميّل، الى بشير الجميّل، الذي كانت زيارته إلى المملكة عام 1982، مختلفة تماماً عن أيّ سياق تحالفي طويل الأمد، كما في العلاقة مع جعجع.

من الطبيعي أن ينظر خصوم جعجع وبعض حلفائه (ليس الرئيس سعد الحريري من بينهم) بتوجّس إلى هذه الزيارة. البعض اعتقد أنّ نتائج زيارة جعجع الى باريس ولقاءَه الامير سعود الفيصل، والضمانات التي نالها، كانت مجرّد تطمين في عزّ الانفتاح «العوني – المستقبلي»، لكن ما رشحَ فيما بعد عن قيادة المملكة دلّ إلى أنّ عصر التفاهمات العابرة للحلفاء عنوةً، قد ولَّى، فوزير الخارجية السعودي، طمأن جعجع يومها، الى أن لا تسوية رئاسية من دون أن يكون هو شريكاً فيها، وأتت الاحداث فيما بعد لتُثبت أنّ السياسة اللبنانية للمملكة كانت ترجمة لهذه الضمانات، التي في صلبِها عدمُ تجاوز مسيحيّي «14 آذار» في أيّ تسوية قد تحصل.

تعمَّد السعوديون تحديدَ موعد زيارة جعجع قبل زيارة الموفد الفرنسي، في إشارةٍ واضحة إلى أن أيّ شيء لن يتمّ الاتفاق عليه، من دون موافقة قوى «14 آذار» المسيحية، وعلى رأسها «القوات اللبنانية»، كما من دون اتفاق كامل مع الحريري.

على رغم تشاؤم السعوديين من إمكان نجاح المبادرة الفرنسية، فقد حرصوا على استشارة الحلفاء احتياطياً، تفادياً للدخول في متاهة الأسماء، إذا ما تبيّنَ أنّ الجانب الإيراني قرّر فعلاً الاحتكام الى تسوية رئاسية، ستعني حكماً سحب ترشيح العماد ميشال عون من التداول، وبدأ الكلام الجاد عن اختيار اسم توافقي.

في المعلومات التي رشحَت عن الزيارة، تأكيد أنّ أيّ بحث في الأسماء التوافقية لم يحصل، وعلى رغم أنّ ذلك منطقيّ، بسبب عدم وجود اقتناع بأنّ إيران وافقت على البحث في التوافق الرئاسي، ما يستدعي عدمَ البحث في الأسماء منذ الآن، إلّا أنّ طبيعة الزيارة ونوعيَّة اللقاءات مع القادة السعوديين لا تترك مجالاً للشكّ في أنّ الملف الرئاسي كان الملف الوحيد الذي بُحِث عملياً، وأنّ ذلك قاد فِعلاً إلى استعراض ما هو مقبول وما هو غير مقبول (الأسماء)، واستعراض التعامل مع كلّ الخيارات، بما فيها احتمال فشَل المبادرة الفرنسية، التي يلتقي السعوديون والروس على التشاؤم من نتائجها.

تعاطى السعودية مع الملف اللبناني، بسياسة واضحة. القرار في الملف الرئاسي لقوى «14 آذار»، أمّا انتظار حصول انفراجات كبرى في المنطقة فهو مؤجّل، في انتظار معرفة ما سيحصل في العراق وسوريا، التي لن يقبلَ السعوديون بأيّ حلّ يُطرَح إلّا إذا كان رحيل بشّار الأسد في صلبه.

لهذا فإنّ التمديد للمراوحة في المنطقة مرشّح لأن يطول، وربّما يستمرّ إلى نهاية ولاية الرئيس باراك أوباما، وفي انتظار ذلك فإنّ كلّ الملفات تبقى عالقة، وخصوصاً الملف اللبناني، الذي يأمل الفرنسيون أن يتحرّكوا فيه قدُماً، بمسعى انتخاب رئيس توافقي، عبر مبادرة تتوسّل إشارات إيجابية أتت من طهران.

ينتظر الجميع مضمون هذه الإشارات الايجابية، لكن ليس لدى أيّ طرف أيُّ فائض من التفاؤل بقدرةِ فرنسا على تحقيق هذا الاختراق.