لا يَعني الاستقبال الكبير لرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في المملكة العربية السعودية إلّا مزيداً من تأكيد النظرة السعودية للرجل ومكانته ودوره.
سبَق للمملكة أن استقبلت الشيخ بشير الجميّل في العام 1982، لكنّ الظروف اختلفت اليوم، فجعجع لم يذهب إلى السعودية بوساطة من أحد لا في الداخل ولا في الخارج.
لقد مرَّ بالخطّ العسكري مباشرةً إلى السعودية، وهذا يعكس عُمقَ ما بناه على الأقلّ منذ خروجه من السجن عام 2005 حيث كرَّسَ نفسَه زعيماً مسيحياً قويّاً، ولاعباً مستقلّاً وفاعلاً، زادَ مِن تأثيره ما يَحصل من تطوّرات في المنطقة، من سوريا إلى العراق واليمن، حيث تجري مواجهة سعودية – إيرانية لا يتوقّع لها إلّا أن تشتدّ بعد توقيع الاتّفاق الدولي مع إيران حول ملفّها النووي.
في المعطيات المتوافرة عن الزيارة، تأكيد على استمرار التعاطي السعودي مع جعجع بمزيد من احترام دورِه ورأيه في القضايا الأساسية، وخصوصاً انتخابات رئاسة الجمهورية. سبقَ لجعجع أن سمعَ مِن وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل كلاماً مطمئناً حول الانتخابات الرئاسية، مفادُه الالتزام باعتبارِه معبَراً إجبارياً لاخيتار الرئيس، بما يَعني الامتناع عن فرضِ أسماء يرفضها، والتشاور معه في أيّ تسوية ممكنة.
واليوم تُجَدّد السعودية هذا التأكيد، في حال تمَّ طرحُ التسوية الرئاسية على جدول البحث، وهذا كلام قيلَ على الأرجح في السعودية، على سبيل الاحتياط، باعتبار أنّ التسوية الرئاسية مؤجّلة حتى إشعار آخر في ظلّ احتدام المواجهة السعودية – الإيرانية.
في المعطيات المتوافرة عن الزيارة كلام سعودي صلب تجاه إيران وما تقوم به في المنطقة، وحزمٌ في التعامل مع الاختراقات الإيرانية للعالم العربي، وتصميم على المواجهة في اليمن وفي سوريا والعراق ولبنان، واستعداد لدعم القوى الحليفة التي تواجه المشروع الإيراني، هذه القوى التي يُعَدّ جعجع أحد أبرز وجوهها.
تتوّج زيارة السعودية والاستقبال الملكي لجعجع، مسيرةً طويلة من علاقة الثقة التي أرساها الأخير عبر مواقفه الثابتة. في المقارنة مع غيره من القوى اللبنانية نجَح جعجع في كسبِ الثقة باستقامته السياسية. على سبيل المثال، لم ينجَح رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في ردمِ الهوّة التي شابَت علاقته بالمملكة، فهو ذهبَ إلى السعودية وعزّى بالأمير سعود الفيصل، ولم يُستقبَل كما استُقبِل جعجع، ولم ينجَح بعد، في إصلاح علاقته بالمملكة، منذ الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري. أمّا مع جعجع فالوضع مختلف.
لم يُغيّر حوارَه مع رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون من النظرة السعودية الثابتة لمواقفه. فالسعوديون أيّدوا هذا الحوار، لثقتِهم بأنّ جعجع لا يتنازل في القضايا الجوهرية، ولمعرفتِهم بأنّه حليف ثابت لا يهتزّ، ولا يتراقص على إيقاع المصالح والأزمات.
من المؤكّد أنّ زيارة جعجع إلى السعودية ستثير عواصفَ كثيرة، وقد بدأ بعضها يظهر على لسان قوى الثامن من آذار، ويَبقى السؤال حول تأثيرها على حواره المستجدّ مع العماد عون، المتأهّب دائماً لإجهاض أيّ تسوية رئاسية.
في هذا الإطار، لا تعتقد مصادر مطّلعة أنّ عون سيَفتح النار على جعجع، إلّا إذا تأكّد أنّ تسوية رئاسية يوافق عليها الأخير، تلوح في الافق، لكن هذا يبقى إلى الآن مجرّد احتمال، في ظلّ تعثّر التسوية، بفعل المواجهة الطويلة الأمد بين السعودية وإيران، هذه المواجهة التي تترجَم لبنانياً باحتباسٍ رئاسي، وبشَلل يُهدّد الحكومة وهي آخر ما تبَقّى من المؤسسات الدستورية العاملة، مع توَقّع مزيد من التراكم في الشلل، ومزيد من تلقّي نتائج الأزمات المشتعلة في المنطقة.