Site icon IMLebanon

جعجع في «جنة الحكم»: دفاع عن الدولة «ومية مواجهة» مع الطبقة السياسية كل يوم

    روما من فوق ليست كما روما من تحت بالنسبة «لسيّد معراب» والاستحقاق الانتخابي أولاً مع مرشحي القوات

    هذا مشروع «القوات» لعودة النازحين:  مفاوضات مع الجهات الفاعلة  ولا تعويم أو تأهيل للنظام السوري

مرت أشهر طويلة على آخر جلسة نقاش مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع التي كانت ما قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية ودخول القوات «جنة الحكم». روما من فوق ليست كما روما من تحت» لم يقلها جعجع بهذا الوضوح، ولكن يستطيع محاوره أن يشعر أن هذا حال القوات. فهي اليوم جزء من تركيبة السلطة التنفيذية وشريك وازن في الحكومة، وأمامها تحديات أساسية في أن تنجح تجربتها وأن تُقدم نموذجاً مختلفاً في الأداء الوزاري، وهي وإن نجحت، فلن يكون ذلك كافياً لانها تتحمل تبعات نجاحات واخفاقات الحكومة. المرحلة حساسة ودقيقة على مستوى الحسابات الداخلية التي تنطلق من الاستحقاق الانتخابي الآتي بعد أشهر، والذي بات يتحكم بحركة كل القوى السياسية ومواقفها وحساباتها. وليس أدل على ذلك من حضور اللقاء عدد من مرشحي القوات للانتخابات النيابية.

عناوين أربعة أراد جعجع أن يسلط الضوء عليها. ضاقت مساحة الوقت، فطار العنوان الأخير المتعلق بـ«داعش» وانتهاء وظيفتها، لينحصر الكلام بالشق الداخلي من التحديات. العنوان الأول الذي يلفت الحكيم هو أداء الاعلام ولا سيما المرئي الذي يعطي صورة يائسة عن البلاد، وكأنها تدفع باللبنانيين إلى ترك البلاد، فيما الواقع لا يصل إلى حدود اليأس الذي يعمم. لبنان دولة شرق أوسطية لا اسكندنافية. «أنا لا أقول أن كل الأمور جيدة. جزء من الطبقة السياسية شيء بيطلع الدين، وكل يوم عنا مية مواجهة مع الأقرب أكثر من الأبعد» ولكن هناك كثير من التضخيم يحصل في الاعلام. يعطي مثالاً على ذلك: جريمة مقتل الطالب روي الحاموش. هي جريمة بشعة، ولكن الجرائم تحصل دائماً إنما المهم أن القوى الأمنية حققت إنجازاً مهماً وسريعاً في توقيف الفاعلين بأقل من أربع وعشرين ساعة، وهذا جانب مضيء لا بد من أن يتم التركيز عليه. فالأحداث تحت السيطرة، وما المصلحة من تصوير الوضع بهذه السلبية وكأن لبنان أرض محروقة، وليس هناك دولة ومؤسسات؟ في خلاصة كلام «سيد معراب» أنه يدافع عن الدولة. ولكن ماذا عن السلاح المتفلت، وضرب هيبة الدولة كل يوم؟ محاور جعجع يلاحظ سريعاً أن مقاربات الرجل للمسائل باتت مختلفة. لم يتطرق إلى أسباب اليأس ومكامنه، غاب الحديث عن الآمال التي عُلقت في الوسط المسيحي على مقولة الرئيس القوي وعلى قدرة «الثنائية المسيحية» أن تفعل فعلها في إعادة التوازن في الحكم!.

العنوان الثاني الذي ينتقل إليه جعجع هي مسألة النازحين السوريين. يذكّر أن موقف القوات كان منذ اللحظة الأولى هو تأمين المستلزمات الإنسانية للنازحين وعدم قبولها بتركهم في دائرة الخطر أو رميهم في فم الأسد. وهو موقف كانت أكثرية اللبنانيين تشاطرهم به. ولكن اليوم آن الأوان أن يرجعوا إلى بلادهم مع وجود أربع مناطق آمنة، منها أثنتان تحققت وأثنتان على طريق التحقق. غير أن هذا الموضوع لا يتم بالمفاوضات بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية كما يطرحها البعض. فهذا الطرح هو كالسم في الدسم، هدفه تعويم النظام السوري وإعادة تأهيله وليس عودة النازحين. فالنظام لا علاقة له سوى مع دولتين هما روسيا وإيران، وهناك محاولة لاعادة العلاقات مع لبنان كونه الحلقة الأضعف. بالنسبة لجعجع، ليس هناك حكومة سورية. فالاتفاقات حول سوريا تتم على ثلاثة مستويات: الاتفاقات الكبرى هي بين روسيا وأميركا، والاتفاقات الوسطى هي بين تركيا وإيران، والاتفاقات التفصيلية تتم بين «حزب الله» و»جبهة النصرة. أما الحكومة السورية، فهي تنفذ تلك الاتفاقات على المستويات الثلاثة.

القرار في شأن عودة النازحين السوريين هو بيد الحكومة اللبنانية وليس الأمم المتحدة، وفقاً لرئيس «القوات» الذي يقول أن حزبه سيقدم مشروعاً الى الحكومة في هذا الصدد، يقوم على ضرورة ان يتم طرح هذا الموضوع بهدوء مع الجهات الفاعلة من أجل تأمين عودة النازحين إلى قراهم أو إلى المناطق الآمنة. برأيه أن الضغط بات كبيراً على الأجهزة الأمنية التي لا يجب أت تترك تحت هذا الحمل، بغض النظر عن الاعباء الاقتصادية التي يتحملها لبنان. والمنطلق الذي لا بد من أخذه في الاعتبار هو الأمن القومي اللبناني قبل أي شيء آخر.

قال جعجع ما يريده في هذا الشق، من دون أن يعود الحاضرون من الاعلاميين لمناقشته به نظراً إلى ضيق الوقت، ذلك أن العنوان الثالث المتعلق بالفساد استحوذ على الحيز الأكبر من النقاش. يدخل ألى هذا العنوان من باب خطة الكهرباء الذي يوزع على الحاضرين مقارنة بين مضمون قرار مجلس الوزراء حول «إحالة الملف المتعلق باستقدام معامل توليد الكهرباء إلى إدارة المناقصات لفض العروض المالية واعداد تقرير كامل عن استدراج العروض وإحالته إلى الوزير لإعداد تقرير مفصل ورفعه إلى مجلس الوزراء باسرع وقت ممكن» وبين مضمون قرار التحويل الذي جاء مختلفاً بحيث اقتصر إعداد التقرير على «استدراج العروض المالية» فقط، وليس الجوانب الأخرى، التي تشمل كيفية التلزيم ودفتر الشروط وصولاً إلى فض العروض وما إلى هناك. هذا الأمر يؤكد جعجع أنه سيث-ار في جلسة مجلس الوزراء. فتغيير كلمة واحدة في القرار تغيّر كل المعنى. وهذا غير مقبول.

ولكن كيف نواجه الفساد وهذا الوضع السيء والكارتيلات القائمة؟ يسأل جعجع السؤال ويجيب: الأمر مرهون بالمواطن «اللي من أيدو وصل لهون. المواطن الناخب الذي انتخب 128(…) يستطيع في أول انتخابات أن يغير. فالأمر بيده، والإنتخابات تشكل فسحة أمل للمستقبل. هناك فوضى في البلد ولكن لا بد من أن نبدأ من مكان ما.

براغماتية جعجع تؤول به إلى مقاربة مختلفة في ملف الفساد أيضاً. الفساد هنا ليس مرتبطاً بالانهيار الممنهج والذي كانت دويلة «حزب الله» تضرب مقومات الدولة ومؤسساتها. بالنسبة لجعجع، هناك خلاف استراتيجي مع «حزب الله»، ولكن عنا فساد، ولا يجب أن نحمل «حزب الله» كل شيء. أنا لا أقول أن ليس عنده فساد، إنما نحن عنا أيضاً. لا نستطيع أن نواجهه إذا لم نؤسس ونخلق وزارات نظيفة ونواب ووزراء وكوادر نظيفة. وهذا ما نفعله. القوات تقدم نموذجاً يحرج فيه الآخرين.

ولكن الآخرين هم من الحلفاء، كيف ستتحالف غداً مع حلفاء أنت تخوض اليوم معركة ضدهم في ملفات الفساد؟ سؤال سأله أحد الزملاء. لا يزال البحث في التحالفات باكرا!.

القوات اليوم تخوض تجربتها في الحكم. السلطة تحرق وهو ما يريد جعجع أن يتفاداه.