IMLebanon

مبادرة جعجع لتأييد ترشيح عون باعدت بين الحلفاء ولم تقرِّب الخصوم

تسوية إنتخاب فرنجية عالقة في دوّامة الإشتباك السعودي الإيراني وتداعيات الأزمة السورية

مبادرة جعجع لتأييد ترشيح عون باعدت بين الحلفاء ولم تقرِّب الخصوم

..وتبقى التحركات والمساعي الداخلية محكومة بالدوران في حلقة التعطيل المتعمّد الذي يمارسه حزب الله بعيداً عن مصالح لبنان واللبنانيّين

عندما انطلقت مبادرة التسوية المرتكزة على انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية في شهر تشرين الثاني وتكشفت بعض تفاصيلها في اللقاء الذي جمع زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري وفرنجية في باريس يومذاك، لم تأتِ هذه المبادرة هكذا بالصدفة أو من هباء أو كأنها قفزة في المجهول كما يحلو لبعض المحللين توصيفها، بل سبقتها سلسلة اتصالات ولقاءات تمهيدية بعيدة من الأضواء وتكللت بدعوة أطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وكررها لمرتين متتاليتين خلال أسبوع واحد لإجراء تسوية مع خصومه السياسيين لحل الأزمة القائمة التي يتخبّط فيها لبنان جرّاء التعطيل المتعمّد الذي تسبب به الحزب علانية لانتخابات الرئاسة بفعل تمسكه بعون مرشحاً وحيداً دون سواه للرئاسة، على أن يكون فرنجية مرشّح التسوية المطروحة الذي يُرضي الأطراف السياسيين الأساسيين وفي مقدمتهم «تيار المستقبل» والرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط وحزبي «الكتائب» و«الأحرار» والشخصيات المسيحية المستقلة وذلك لاستحالة الاستمرار في تبنّي ترشيح النائب ميشال عون الذي أصبح يُشكّل عنوان أزمة التعطيل الرئاسي والأزمة السياسية ككل.

وهكذا انطلقت المشاورات والاتصالات لتظهير مبادرة التسوية المطلوبة في أجواء إقليمية مقبولة نسبياً بفعل الاتصالات الجانبية على هامش اجتماعات «فيينا» بين ممثلي الدول الكبرى وإيران والمملكة العربية السعودية لحل الأزمة السورية والدعوات المتكررة المؤيّدة لإنهاء أزمة الاستحقاق الرئاسي والمشجعة ضمناً للمبادرة المطروحة كما عبّر عن ذلك سفراء ومبعوثو الدول المعنية في لبنان خلال لقاءاتهم مع ممثلي مختلف الأطراف السياسيين.

وما كادت المبادرة تشق طريقها بالداخل اللبناني وبدأت مفاعيلها بالظهور تدريجاً بين مؤيّد وداعم ومعارض وأصبحت تشكّل بارقة أمل للخروج من أزمة الاستحقاق الرئاسي بعد أكثر من سنة ونصف من التعطيل المتعمّد حتى واجهتها تداعيات تصاعد حمى المواجهة والاشتباك السعودي – الإيراني على خلفية قيام متظاهرين إيرانيين بإحراق مبنى السفارة السعودية بطهران بتحريض وغضّ نظر من السلطات الإيرانية وما نجم عنها بعد ذلك من قيام المملكة بقطع علاقاتها الديبلوماسية مع إيران، إضافة إلى تزايد حدة التدخل والاعتداءات العسكرية الروسية إلى جانب قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية المتحالفة معه ضد مواقع المعارضة السورية والمدنيين المؤيدين في تصعيد ملحوظ لتحقيق مكاسب ميدانية على الأرض استباقاً لمؤتمر «جنيف» المرتقب انعقاده بعد أيام معدودة في محاولة لفرض شروطها وتحسين مواقعها بالتفاوض ضد خصومها.

ولا شك أن هذين التطوّرين أعاقا انطلاقة المبادرة نحو طريقها المرسوم وجمّدا كل محاولات تنفيذها وذلك بالتزامن مع تصاعد حدة المعارضة الداخلية المنسّقة بين «التيار العوني» و«القوات اللبنانية» اللذين يعتبران مثل هذه المبادرة بأنها تتعارض مع توجهاتهما وخياراتهما ومصالحهما.

ولعلّ كل هذه التطورات والوقائع لم تكن مؤاتية لترجمة المبادرة إلى واقع ملموس ضمن الهامش الزمني المرسوم لها تقريباً، لأنها دخلت بالفعل في حالة من الجمود المؤقت بانتظار تبيان ملامح الاشتباك السعودي – الإيراني وكيفية تطوّره وهذا يعني أن كل المحاولات المبذولة لإخراج لبنان من الأزمة حالياً محكومة بظروف ما يحصل بالمنطقة لأنه لا يمكن لأحد تجاوزه أو القفز فوقه مع استمرار تبعية «حزب الله» لإيران وتحركه ضمن مصالحها بالداخل اللبناني وفي الجوار العربي على حدٍ سواء.

ولذلك، تبقى مسألة التحركات والمساعي الداخلية محكومة بالدوران في حلقة التعطيل المتعمد الذي يمارسه «حزب الله» انطلاقاً من التطورات والتداعيات بالمنطقة وليس لحساب مصالح لبنان واللبنانيين كما هو ظاهر للعيان.

وهذا لا يعني ان «حزب الله» لم يكن يؤيد ترشيح فرنجية ضمن التسوية المطروحة، بل على عكس ذلك تماماً، فما قاله النائب فرنجية في مقابلته التلفزيونية الأخيرة يُؤكّد بوضوح أن حركته كانت بالتنسيق المباشر مع الأمين العام لحزب الله وضمن إطار ما طرحه لتحقيق التسوية مع خصومه، وكل ما يقال خلاف ذلك ما هو إلا محاولة لتمييع الوضع وتقطيعه في انتظار مستجدات المنطقة.

أما ما يُحكى عن إمكانية تغيير هذا الواقع انطلاقاً من مبادرة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بتأييد ترشيح رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون لمنصب الرئاسة الاولى، فلا يبدو ان مثل هذه الخطوة يمكن ان تحدث الخرق الاستراتيجي للاستحقاق الرئاسي باتجاه انتخاب عون كما روَّج لذلك أثناء الاحتفال بهذه المبادرة وبعده، أولاً لأن مفاعيل ما حصل سيبقى محصوراً بمفاعيله السياسية ولن يحدث أي اختراق لإنهاء الأزمة. فبعد أسبوع من الخطوة وبالرغم من كل الاتصالات، لم يستطع جعجع كسب ودّ خصومه المؤيدين ظاهرياً لترشيح عون للرئاسة وفي الوقت ذاته لم يستطع إقناع أي من حلفائه في قوى 14 آذار بالانضمام إلى توجّهه بل على عكس ذلك زادت هوّة التباعد معهم وتثبت معظمهم بتأييد التسوية المرتكزة على انتخاب فرنجية رئيساً.

وحال النائب ميشال عون ليست أحسن حالاً من جعجع، فقد زادت حدة المعارضين من معظم تحالف قوى 8 آذار لانتخاب عون ومعظمهم متمسك بترشيح فرنجية، إلا «حزب الله» ملتزم بالصمت الذي لا يعني انه انقلب على تسوية فرنجية، وليس مضطراً لتأييد خطوة دعم جعجع لترشيح عون خصوصاً انها حصلت من «معراب» وهذا كافٍ للتمعن فيها لأنها لا تبعث على الارتياح في نفسه.

وفي الخلاصة الاستحقاق الرئاسي عالق في الاشتباك السعودي الإيراني حتى تبيان معالم الحلحلة التي قد تطول أكثر ما هو متوقع.