على الرغم من «الصمت البناء» من قبل حزب الله حيال المسؤولية عن ارسال الطائرة دون طيار فوق الجولان المحتل، فان صدى هذه الخطوة لا «يصم» فقط آذان القيادة العسكرية والسياسية في اسرائيل، بل يشغل بال «خصوم» الحزب على الساحة الداخلية..لا يتعلق الامر بالبعد العسكري لهذه الخطوة، بل ببعدها السياسي الاستراتيجي الذي يشير بوضوح الى انتصار قد تحقق في سوريا وسينعكس حتما على الساحات الاخرى.. لكن المفارقة هذه المرة ان مصدر القلق، خصوصا لدى القوات اللبنانية، ليس نابعا من احتمال قيام المقاومة بصرف «فائض القوة» في الداخل اللبناني، بل «الخوف» الحقيقي من استغلال التيار الوطني الحر للموقف لمحاولة تعديل «قواعد اللعبة» وفرض شروط جديدة تمهيدا للانقلاب على «تفاهم معراب»….
واذا كان «تقليم الاظافر» يحصل في هذا الاطار من قبل «شريك القلق»، رئيس مجلس النواب نبيه بري، في محاولة منه «لتبريد» «الرؤوس الحامية» في «التيار البرتقالي»، فان الازمة تبدو متعاظمة على ضفة «القوات» التي تتلمس يوميا ان العلاقات مع «التيار» تنحدر نحو الاسوأ، وبحسب اوساط نيابية معنية بهذا الملف، فان رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع طلب موعدا مستعجلا من رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد ان اكدت له شخصية تعد من «الاصدقاء» المشتركين، ان الرئيس قال تعليقا على «الفتور» في العلاقات مع «القوات»، وتحميل البعض الوزير جبران باسيل المسؤولية عن ذلك، «دعوه يعمل» «هو يعرف ماذا يفعل»… والمفارقة ان الرد من القصر الرئاسي جاء «مبهما» من خلال التاكيد ان لا مواعيد الا بعد العودة من نيويورك .. بما اوحي ان لا شيء مستعجلا بالنسبة الى بعبدا، يستدعي تعديل جدول اعمال الرئيس؟
وبحسب تلك الاوساط، ثمة قناعة في «معراب» بان رئيس التيار الوطني الحر يعمل على الاستثمار ب«انتصارات» حزب الله في سوريا، وفي معركة الجرود، والاتكاء على هذا التحول لفرض مقاربات داخلية لا يستطيع فرضها، «والنزعة» السائدة لدى وزير الخارجية هي استعادة معادلة ان على الخاسر «دفع الثمن» والتي تشكل جزءا من «العقيدة العونية».. وبالنسبة لـ«القوات» بات واضحا ان رئيس «التيار» يعمل على تعديل تفاهم معراب بما يتناسب مع المعطيات السياسية في لبنان والمنطقة.. فهناك «مهزومون» وهناك «رابحون»، ولا يجوز تجاوز هذا الامر في «المعدلات» الداخلية، واذا كان حزب الله يمتنع عن توظيف هذه المسائل على الساحة اللبنانية، فان باسيل لا يعتبر نفسه معنيا بما يسميه «عفة النفس»، والفرصة الان برأيه متاحة «لمزاوجة» فعل القوة المتمثلة بقوة الرئاسة الاولى، وقوة المقاومة التي «حسمت» المعركة الاستراتيجية، وهذا يمنح الفريق المنتصر الحق في «فرض شروطه»…طبعا باسيل لا يريد «تمزيق» تفاهم معراب ولكنه يرغب بتوزيع «عادل» للمصالح انطلاقا من موازين القوى الجديدة التي لا تسمح «للقوات» بالمطالبة بالمناصفة مع التيار الوطني الحر…
واذ تقر تلك الاوساط، بان رئيس التيار الوطني الحر لم ينجح في منح حزب الله «الثقة» المطلوبة في الملفات الداخلية، «شغبه» المتواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري يشكل «ازعاجا» كبيرا للحزب الذي لم يهضم ايضا «انحراف» خطابه الوطني «وغرقه» في مزايدات طائفية بسبب التنافس الشديد مع اقرانه المسيحيين في معركة استعادة حقوق «الطائفة»، لكن باسيل نجح في المقابل في «اختبارات» القرارات الاستراتيجية، فتجاوز «مطب» معركة الجرود بنجاح، وهو يدير الدبلوماسية اللبنانية بما يتوافق مع خيارات الحزب الخارجية في المنطقة…وهذا برأيه كاف للحصول على الدعم من حليفه…
وفي هذا السياق يبدو «الحكيم» قلقاً من «صعود نجم» حزب الله، فالمعطيات الخارجية غير «مطمئنة»، فمن واشنطن تتوالى اشارات الضعف، وفي موسكو تتعاظم مكانة الحزب، فيما تغرق دول الخليج في مستنقع الخلافات والازمات.. فالاوساط الدبلوماسية الغربية التي تواصلت معها «معراب» خلصت الى التاكيد على عدم انتظار اي «دعم» اميركي في المدى المنظور، الكلام الاميركي «العالي النبرة» ضد الحزب مجرد «ثرثرة» لن تجد اي صدى على ارض الواقع، فمن يغض «الطرف» على ما يفعله الحزب في الحرب السورية، لن يكون معنيا بعمل جدي لاضعافه على الساحة الداخلية، فالرئيس الاميركي «مأزوم» بفعل ملفات داخلية وخارجية عديدة، خياراته محدودة، وهو كان واضحا عندما قال ان بلاده لن تقاتل نيابة عن احد من الان وصاعدا…
اما في موسكو فكانت زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو الاخيرة بمثابة المؤشر الاكثر وضوحا على مكانة حزب الله في الاستراتيجية الروسية، وتطور الاحداث العسكرية على الارض ونجاح قيادات حزب الله الميدانية في ادارة المواجهات الرئيسية والحاسمة، دفع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الى رفع «توصية» الى الكرملين تطلب بتوسيع نطاق التعامل والتواصل المباشر على الارض مع قوة عسكرية منظمة ترتقي الى مصاف الوحدات الخاصة في الجيوش النظامية، وقد جاء الرد بالايجاب، وبعدها تغير الكثير من التعامل الحذر بين الجانبين، واصبح التنسيق العملاني متاح دون «وسيط» وقد اختبر هذا التنسيق في اكثر من مواجهة، وكان آخرها معركة دير الزور…وفي هذا الاطار، وبعد عودته من العاصمة الروسية، ابلغ وزير الاعلام ملحم رياشي «الحكيم» ان «طيف» حزب الله كان موجودا في روسيا، وكان واضحا ان المسؤولين الروس ينظرون الى الحزب بالكثير من الاحترام…
وفي هذا الاطار، تؤكد تلك الاوساط، ان جعجع لا يملك «ترف» التفكير بتغيير موقف تلك الدول من حزب الله، ويتعامل بواقعية مع الموقف، وهو في نفس الوقت لا يخشى من مفاعيل «اليوم التالي» للتسوية في سوريا، هو يدرك ان الخط الاحمر عند حزب الله يتعلق «بالسلاح»، ولا احد الان في وارد وضع هذا الملف على «طاولة» البحث، ويبقى المخرج في«الكلمة» السحرية المسماة «الاستراتيجية الدفاعية»، اما«الكعكة» الشيعية فتبقى من «حصة» الرئيس نبيه بري، وهذا يعني ان لا شيء سيتغير في هذا السياق، لكن ما لا يمكن القبول به، محاولة التيار الوطني الحر استغلال الموقف «للهيمنة» على كامل «الحصة» المسيحية، بدءا بالتوزيع غير العادل لخارطة انتشار الترشيحات للانتخابات النيابة، وصولا الى الاستئثار بحصة «الاسد» في التعيينات الادارية في الدولة…واحتكار عناوين الاصلاح ومحاصرة وزراء «القوات» في الحكومة، وتخييرهم بين الاستمرار بالتفاهم او «غض الطرف» عن صفقات «مشبوهة» خاصة في ملف الكهرباء…
اوساط التيار الوطني الحر تصف «الهواجس» القواتية «بالاوهام»، وترى انها تعبر عن سوء فهم وتقدير لتفاهم «معراب» الذي لم ينص على اي «تقاسم» للحصص على الساحة المسيحية، أما ما يعمل عليه رئيس «التيار» فلا يرتبط باي تغييرات في موازين القوى، لان احداً لم يتحدث اصلا عن وجود قوى متعادلة، والوزير باسيل لم يتغير، وهو يرد «المنيح» «بمنيح» احسن منه، ويرد على السلبية «بعقل» منفتح على الاستيعاب قدر المستطاع….في المحصلة قد لا ينتهي هذا الجدل قريبا، والعلاقة بين «التيار» «والقوات» تحتاج الى صيانة ضرورية، وثمة تعويل في «معراب» على لقاء مفصلي بين «الحكيم» ورئيس الجمهورية ، لتحديد الخيارات في المرحلة المقبلة.