IMLebanon

جعجع يستقبل عون … في الرابية

توخى لقاء الرئيس ميشال عون والدكتور سمير جعجع طي صفحة قديمة من العداء السياسي والشخصي، قبل التفكير في استعدادهما لتحالف يشبه زمان الزعماء الموارنة الغائبين. لعلّ المقصود انهما يلتقيان في الاستحقاق الذي يفرّق

يصح القول في الاجتماع المفاجىء في الرابية، مساء الثلثاء، ان رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع استقبل الرئيس ميشال عون في منزله. ربت على كتفه والتصق به. تحدث بارتياح وأصغى، وهو يهز رأسه مراراً موافقاً. قال ان الحوار في اوله وليس في آخره. بلا تحفظ افصح عن ان مواضيع الخلاف بينهما ليس الآن اوانها. كان البارز ايضا في ما قال ان اجتماعهما كشف القوتين المسيحيتين الكبريين.

وخلافا لتوقعات ظلت بلا انقطاع اقاويل وثيقة الصلة بالمحيطين بعون على هامش جولات التفاوض بين الفريقين، حضر جعجع الى الرابية من دون ان يقول لصاحب البيت: مبروك رئاسة الجمهورية. هكذا اضحى الاستحقاق شأناً ثانوياً في حوار بدأ في كانون الثاني الفائت وهو يقرع ابواب الرئاسة بقوة.

لم يوقع عون وجعجع وثيقة «اعلان النيات» على غرار ما فعل رئيس تكتل التغيير والاصلاح والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عندما مهرا «ورقة التفاهم» في 5 شباط 2006، الا انهما اكدا التزام مبادئها لانها وثيقة كل منهما على حدة بفروق ضئيلة. ليست المرة الاولى يبصر اللبنانيون، وقبلهم المسيحيون، الرجلين في اجتماع مماثل بدءا من عام 1988 قبل تأليف الحكومة العسكرية آنذاك، ثم في السنة التالية، ثم عندما زار عون بعد عودته من المنفى عام 2005 جعجع في السجن، فظُنَّ ان الرجلين منفردين تبادلا الصفح. في بعض اجتماعات بكركي قبل سنتين التقيا وتصافحا. في تاريخهما من العداء والنزاع ما فيه ايضا من حظوظ العودة الى الذات والمصالحة. بل لعل اهمية صدمة اجتماع الرابية ان عون وجعجع يلتقيان للمرة الاولى منذ عام 1989 بلا وسيط او شركاء. انهيا القطيعة الشخصية والسياسية، الا انهما يحتاجان الى مزيد من الوقت لارساء الثقة.

«اعلان النيات»

ينتظر «الورقة التنفيذية» لتكريس الاتفاق

بالتأكيد يمثل اجتماع الرابية حدثا في ذاته، وكذلك تحدثهما ــــ من بين مرات نادرة ــــ بلغة مشتركة وهما اللذان اعتادا ان لا يحسنا التخاطب المتبادل منذ عام 1988، مرورا بمغادرة عون قوى 14 آذار عام 2005، وصولا الى سنة خلت عندما اضحيا وجها لوجه في انتخابات الرئاسة. مرشحان متنافسان خاضا الدورة الاولى من الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس في 23 نيسان 2014. حاز جعجع اصوات حلفائه، وسمّت الاوراق البيض التي اسقطتها قوى 8 آذار رئيس تكتل التغيير والاصلاح ضمنا. بدا مذ ذاك ان احدا لا يسعه ان يؤكد انتخاب رئيس للجمهورية في مدى قريب.

لاسبوعين مضيا انجز «اعلان النيات»، وكان ثمة تحضير اولي لوثيقة ثانية بين عون وجعجع دُعيت «الورقة التنفيذية»، يباشران الحديث فيها في الخلوة الاولى التي يعقدانها وجها لوجه. كان قد اتفق على زيارة جعجع للرابية، وترك له توقيت موعدها لاسباب امنية بحتة. لم يفصح الرجلان على اثر اجتماع الثلثاء عن الاتجاهات المقبلة لحوارهما ــــ وهي جوهر تكريس تفاهمهما ــــ سوى انه سيستمر. حاذرا الخوض في مسألتي الاستحقاق الرئاسي وتعيينات الاسلاك العسكرية والامنية، الا ان ثمة ما هو مهم للغاية يقتضي ان ينجزاه على طريق «الورقة التنفيذية»:

1 ــــ لا يزال موقفاهما من انتخابات الرئاسة متباعدين لسبب مباشر هو ان كلا منهما لا يزال مرشحا للمنصب قبالة الآخر. لا يتخلى عون لاي مرشح سواه، ولا يتحدث عن خيارات بديلة، وليس ثمة مَن يجرؤ في محيطه يحدثه عنها، بينما يبدو جعجع اكثر مرونة بابداء الاستعداد للخروج من السباق الرئاسي بمرشح توافقي فحسب. ما خلا ذلك، حتى اشعار آخر، يمضي في ترشحه وان كان عون منافسه. عندما تحدث «اعلان النيات» عن اتفاقهما على رئيس قوي ينبثق من بيئته ويقبل به الافرقاء الآخرون، كانا يقران باعتراف متبادل بأن لا احد سواهما يمتلك هذه المواصفات. نصف حل لمشكلة تحتاج الى النصف الآخر من الحل، هو ان الافرقاء الآخرين غير جاهزين تماما لدعم فوز احدهما: لا تيار المستقبل يؤيد عون، ولا حزب الله يقترع لجعجع.

2 ــــ لا يزالان يفترقان في مقاربة اقتراح عون انتخاب الرئيس باستفتاء شعبي. كان رد فعل جعجع انه يجاري الاقتراح متى كان تحت سقف الدستور، وفي يقينه ان استفتاء شعبيا لانتخاب الرئيس يناقض جوهر انبثاق انتخاب رئيس الجمهورية من مجلس النواب تبعا للمادة 49.

3 ــــ بازاء اصرار رئيس تكتل التغيير والاصلاح على تعيين قائد جديد للجيش هو قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، يمثل موقف جعجع خليطا من مواقف خصوم عون حيال هذه المسألة: فيه شيء من وجهة نظر الرئيس سعد الحريري الذي يرى الاولوية لانتخاب رئيس الجمهورية، وفيه شيء من وجهة نظر رئيس المجلس نبيه بري الذي يؤيد التعيين والا فتأجيل التسريح تفاديا لشغور القيادة، وفيه شيء من رأي المؤسسة العسكرية نفسها وافرقاء 14 آذار ان الاوان ليس مناسبا لتعيين قائد جديد في حمأة المواجهة مع الارهاب.