هل صحيح ان جلسة 18 نيسان الرئاسية هي الفرصة الاخيرة للمرشحين المسيحيين الأقوياء؟ وهل صحيح ان عدم اكتمال النصاب لانتخاب احد مرشحي 8آذار الجنرال ميشال عون والوزير سليمان فرنجية، يعني ان الفرصة ضاعت على الاثنين؟ وهل من انفراج «رئاسي» قريب؟
طبعا ليس لهذه النظرية ما يفرض صحتها، وهي لا تعدو كونها «مزحة» لا تمت الى واقع الجد بصلة، ترشيح قوى 14آذار لمرشحي فريق 8 آذار، ليس مرتبطا بتاريخ انتهاء للصلاحية، وما دفع هذا الفريق للرضوخ الى الامر الواقع، ظروف محلية واقليمية ودولية لم تتغير، بل تزداد تعقيدا بالنسبة الى هذا الفريق «المتشرذم»، والذي لا يملك ترف التراجع الجماعي عن هذا الخيار، هذا باختصار راي اوساط قيادية في 8 آذار، وتشرح الموقف بالاشارة الى ان الفريق الاخر انطلقت قواه «الوازنة» من خلفيات متناقضة املت عليها ترشيح «الخصوم» والوصول الى المواجهة الرئاسية المفتوحة بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل، واذا كان رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري لا يحتاج الى الكثير من المبررات للتنصل من وعده الرئاسي «لزعيم المردة»، والتجارب تدل على ذلك، فان رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع غير قادر على اتخاذ قرار بالتراجع عن تفاهمه مع «الجنرال»، لان للامر ابعاداً وتداعيات مسيحية لا يستطيع «الحكيم» تحمل وزر نتائجها، وبالنسبة اليه فان الرئاسة تفصيل صغير امام نجاحه في العودة الى «احضان» البيئة المسيحية التي يمثلها التيار الوطني الحر، وتشكل «وراثة» عون في هذا «الشارع» اولوية تتقدم على غيرها من الملفات، ولهذا لن يتراجع عن ترشيح رئيس التيار الوطني الحر مهما بلغت الضغوط، لانه يعتقد بانه لن يصل الى قصر بعبدا، وهو امر ابلغه للسفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري، ولاحقا للرئيس سعد الحريري، خلال تقديم تبريراته التي املت عليه ترشيح «الجنرال» للرئاسة.
وفي هذا السياق فان الضغط على مؤيدي ترشيح عون من خلال القول بانعدام فرصه بعد هذا التاريخ ليست جدية وانما من باب «الكلام» التهويلي الذي لا يمكن صرفه على ارض الواقع، والفرصة ستبقى متاحة امامه الى حين يتخذ هو قرارا شخصيا بالانسحاب من «السباق الرئاسي»، واي رهان على تراجع حزب الله عن خياره مجرد «وهم» سواء بقي الصراع محتدما مع السعودية ام ذهبت الامور الى تسويات، وما جرى تثبيته لن يقبل الحزب بالتراجع عنه، لا رئيس توافقي، «ونقطة» على «السطر».
ولذلك فان المرحلة المقبلة ستبقى في سياق «المراوحة»، فرنجية لن يتخذ القرار بالنزول الى مجلس النواب لتأمين نصاب اي جلسة لا تكون ضمن التفاهم مع «حزب الله»، ولن يقبل باي رئاسة «مبتورة» تصل به الى قصر بعبدا دون ان يتمكن من الحكم، كما انه يعرف جيدا انه اذا قرر النزول الى جلسة مماثلة، فان القوات اللبنانية لن تحضر، بعكس كل ما يشيعه «الحكيم» عن الاحتكام للديموقراطية، كما ان ثمة استحالة لخروج نواب كتلة التحرير والتنمية عن التفاهم الاستراتيجي مع حزب الله، وعندها لن يتأمن النصاب، ويخسر فرنجية ثقة حلفائه ولا يصل الى بعبدا. فهل يظن احدا ان زعيم المردة بهذا الغباء كي يراهن على «حصان خاسر»؟ بالطبع لا، وهو اصلا لن يضحي بعلاقته مع الحزب ومحور المقاومة من اجل مقعد رئاسي…
اما القول انه يمكن تهريب جلسة انتخاب رئيس للجمهورية بموافقة ضمنية من «حزب الله»، حيث يغيب نواب الحزب عن الجلسة من قبيل التضامن الظاهري مع نواب التيار الوطني الحر، فينتخب فرنجية وعنده يوضع «الجنرال» امام الامر الواقع، فهو سيناريو اقرب الى «الهذيان» ويشبه الافلام الرديئة في الاخراج، والسيناريو، والممثلين، فلا حزب الله محشور «بالجنرال» كي يعمل بهذه الطريق «الصبيانية» للتخلص من عبء ترشيحه، وليس في وارد «المغامرة» بالرصيد المسيحي الذي يمثله ميشال عون من اجل استحقاق رئاسي لا يمثل بالنسبة اليه «مصلحيا» اي زيادة او نقصان في دوره وحضوره على الساحة اللبنانية، بينما نجاحه في نسج علاقة من الثقة المبنية على الصدق والشفافية مع التيار الوطني الحر، اعطته مساحة حضور في بيئة كانت «مقفلة» تجاهه.
وتشير تلك الاوساط، الى انها كانت تعتقد ان سيناريو «التهريبة» يمكن ان يكون اكثر «الافلام» رداءة، لكن ما قاله «الحكيم» في مقابلته الاخيرة يتجاوز في رداءته كل ما تقدم، فهو من خلال جزمه بان حزب الله «مزروك» في ترشيح «الجنرال»، حاول «الهروب» الى الامام من خلال ما يعرف في علم النفس بعوارض «الاسقاط» وهي حالة يظن فيها المريض ان شخصاً آخر يعاني من عوارض مرضية بينما يكون هو مصاب بها، «فالمزروك» بترشيح عون هو جعجع الذي وضعه حليفه «الازرق» امام «حائط» مسدود، فهولم يكن قبل اشهر معدودة في وارد تأييد «خصمه» السياسي في الشارع المسيحي، ولولا اقدام الحريري على تجاوز «القوات» واحراجها امام جمهورها، لما كان «الحكيم» قد تجرأ حيث لا يجرؤ الاخرون»، لكن هل ترك له حليفه من خيار غير اختيار طريقة «اعدامه»، فالحريري وضع «الحكيم» امام خيارين اما «الموت» سياسيا «ذبحا» على الطريقة «الداعشية»،عندما رشح فرنجية، او «الموت» البطيء بعدما رماه في «احضان» «الجنرال»، واختار «الحكيم» الخيار الثاني، ولذلك هو المحشور في خياره، وليس حزب الله الذي اتخذ قرارا عن سابق تصور وتصميم بدعم عون، لاسباب جوهرية وجدية، ليس اقلها اطمئنانه لهذا «الزعيم» المسيحي في خياراته الاستراتيجية، والذي جرب في احلك الظروف، ولو تم ايضا مقاربة الموضوع من زاوية مصلحية بحتة، فان خيار الحزب يصب في مصلحته الحزبية «الضيقة»، وما يستطيع ان يؤمنه عون لا قدرة لغيره على تأمينه.
وفي هذا السياق، ترى تلك الاوساط، انه اذا كان جعجع يشكك في نوايا حزب الله، ولا يصدق ان الحزب غير قادر على اقناع رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب سليمان فرنجية بانتخاب عون، فان الحل بين يديه، وما عليه الا اقناع الرئيس الحريري بتأييد ترشيح عون للرئاسة، بعدما انتفى «الفيتو» السعودي، وفقا لما قاله «الحكيم»، وعندها من المؤكد انه «سيأكل الضرب»، لان اسوأ «كوابيسه» ستصبح حقيقة، وسيصحو على خبر انتقال «الجنرال» من الرابية الى بعبدا.
طبعا ليس هذا ما يتمناه، او يريده، ورهانه منذ البداية ان يؤدي «صدام» «الفيتوات» السنية – الشيعية المتبادلة الى تطيير مرشحي 8 آذار. يعرف ايضا ان الحريري لا يملك قراره، وبمجرد حصول تغيير في الموقف السعودي، سينقلب «الشيخ» على مواقفه، اما محاولة «دق اسفين» في العلاقة بين «الرابية» و«حارة حريك» من خلال الايحاء بان «الجنرال» يشكك في نوايا حزب الله، وانه طلب منه ان يترك له معالجة هذا الامر، فهو بضاعة غير قابلة للتسويق، فما سمعه عون من السيد نصرالله شخصيا، غير قابل للتأويل، والعلاقة تحكمها ثقة عالية وغير متناهية، «الجنرال» يدرك ان السيد لن يتوانى عن ابلاغه باي قرار يتخذه مهما كانت قسوته، كما حصل في ملفات كثيرة، لو ان مصلحة الحزب في عدم ترشيح «الجنرال» لكان سمع ذلك معللا بالادلة والبراهين، لكن قناعة الحزب ما تزال على حالها باحقية عون السياسة والاخلاقية بالرئاسة، ولن يتغير هذا «المناخ» بمجرد انتهاج رئيس القوات استراتيجية «نسوان الفرن» عبر نشر «نميمة» من هنا و«خبريات» من هناك، الملفات الجدية لا تدار بهذا الاستخفاف، وفرص مرشحي 8 آذار تتعزز مع مرور الوقت، وعامل «الزمن» لصالح محور المقاومة… وجلسة 18 نيسان ستكون كسابقاتها..