وصل الحوار بين ميشال عون وسمير جعجع الى المحطة ما قبل الاخيرة. «ورقة التفاهم» باتت جاهزة للاعلان. «الحكيم» يريد الاعلان عنها كتتويج نهائي للمكاشفة المسيحية التي حصلت. أما «الجنرال»، فلا يرى التتويج إلا في رئاسة الجمهورية. بالنسبة الى الزعيم البرتقالي «الورقة مع القوات ليست كورقة التفاهم مع حزب الله»، خصوصاً أن الخلاف بين الجانبين ليس عقائدياً وإنما محض سياسي.
وعليه، تم التفاهم في الورقة على نقاط عديدة من سلاح «حزب الله» إلى تقوية الدولة وتفعيل الوجود المسيحي فيها، إلى قانون الانتخاب وآلية انتخاب الرئيس في موعده لتفادي الفراغ الذي حصل تكراراً.. بسلاسة عبرت مياه التفاهم. حتى أنها فاضت في أكثر من ملف على مثال قاعدة «ما دام الافرقاء المسلمون يتحاورون بشأن السلاح فنحن مستعدون أن نسير بما سيفضي إليه حوار المستقبل ــ حزب الله».
القطار وصل اذا الى محطة معراب. فاذا كانت لدى جعجع، وفق متابعين، استقلالية القرار فهذا يملي عليه تبني ترشيح ميشال عون للرئاسة، «لأنه في ذلك يكون قد خدم المصلحة المسيحية ومصلحته في المستقبل». وإذا تمكن جعجع ان يأخذ قرارات في هذين الامرين فانه يكون قد جعل من نفسه، مع مد اليد العونية، «شريكا في صناعة القرارات المسيحية، وان على حساب إضعاف دور أمين الجميل وسليمان فرنجية».
بعد «الطائف»، كان هناك نوع من «التابو» حول وصول قائد ماروني بكل ما لكلمة القيادة من معنى. وللتوضيح اكثر، «كان ثمة شبه اتفاق ثلاثي بين رفيق الحريري ونبيه بري ووليد جنبلاط، برعاية سورية، على عدم السماح للعقل الماروني المستقل ان يصل الى السلطة». تقول شخصية مواكبة للاستحقاقات الرئاسية «بعد الطائف كان هذا الاتفاق يقضي بالاتيان برئيس درجة ثانية. ومن هنا تأتي مصلحة جعجع اليوم ان يأتي عون رئيسا كونه الأوْلى تاريخا وعمرا، فيفتح الباب امام قائد القوات للسنوات اللاحقة».
لا بد من ان ينشأ رئيس جراء هذا الحوار والا فقد ولد ميتا. فالاقطاب الموارنة الاربعة متفقون على اختيار احدهم رئيسا. لكن للحكيم مصلحة تحديدا في مجيء عون. فمجيء امين الجميل مثلا من شأنه اضعاف «القوات» لحساب «الكتائب». والامر نفسه يسري على «المردة» و «القوات» شمالا بالتحديد.
في المقابل، وبهدف انجاح الحوار وضمان الرئاسة، «فان عون لن يخسر شيئا اذا اعطى جعجع من حصة الحريري او الكتائب او حتى جنبلاط». اكثر من ذلك. من شأن اتفاق عون جعجع ان يجعلهما يجتاحا معا عاليه ويتحكمان بالشوف.
حتى الان لم تعط السعودية بعد الضوء الاخضر للحريري، فهل ينتظر جعجع هذا الامر ام انه يتمتع كفاية باستقلالية القرار؟ الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز لم يلتقط انفاسه بعد ليفلفش في اوراق الملف اللبناني. قد يأمر بتهدئة الاوضاع في سوريا او لا. المهم انه سمع من باراك اوباما خلال زيارة التعزية – التهنئة عن «ضيق الذرع الاميركي من كون المملكة باتت مصنعا لتخريج التكفيريين». يقارن محللون بين ملوك ثلاثة: فالملك فهد كان يعرف جيدا حدوده مع الاميركيين. اما الملك عبد الله فجنح الى درجة الطلب من اميركا ضرب ايران، وهذا لم يحصل. وقد يكون الملك سلمان، وفق هؤلاء، أقرب الى اخيه فهد من اخيه عبد الله.
تدور الدائرة لتعود الى معراب. فتياران داخل «القوات» يتنازعان رأي الحكيم: تيار يؤيد الحوار مع الرابية. وتيار يحاربه، او على الاقل لا يتحمس له، بزعامة زوجة سمير جعجع. ربما في هذه الخانة يمكن وضع قصة الفيديو الذي «يدين» ستريدا والقصد منه ادانة المحور القواتي الرافض لمصالحة مسيحية بكل ما تؤتي من ثمار. يتوقع متابعون ان تتبلور نتائج هذه المصالحة في شهر العشاق، اما الى عشق جديد او عودة الى المتاريس السياسية.