Site icon IMLebanon

جعجع قطف ثمار الشراكة: اعتراف إسلامي عام بقوته التمثيلية داخل العرين المسيحي

تنازع السلطات بعد الطائف يتحكّم بقرارات «الثنائي الشيعي».. والرابية لم تلتقط إشارات نصر الله

حلفاء عون: خسر قضية التمديد ولن يربح معركة الرئاسة

جعجع قطف ثمار الشراكة: اعتراف إسلامي عام بقوته التمثيلية داخل العرين المسيحي

هل أخطأ رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون في إدارة معركة التمديد للمجلس النيابي؟ مبررات هذا السؤال تنطلق من المناخات السلبية التي تكوّنت لدى القوى السياسية المُدرجة في خانة حلفاء الجنرال قبل خصومه. فعلى الرغم من أن «تيار المستقبل» قاد معركة التمديد الثاني للمجلس النيابي، من زاوية قلقه من الفراغ في المؤسسات الدستورية في ظل تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، وما يمكن أن ينتج عنه من انهيار للنظام وفتح شهية الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي يدغدغ أحلام وطموحات بعض الفئات اللبنانية، فإن المصلحة الأكيدة لـ «الثنائي الشيعي» المتمثل بـ «حزب الله» و«حركة أمل» تصبّ في درء حصول الفراغ في المؤسسة التشريعية التي تعبّر عن الموقع السياسي الأول للطائفة، فيصيبها الشلل، ما يؤول إلى تمركز السلطة، ومعها صلاحيات إضافية، في يد مجلس الوزراء ورئيسه، وهو أمر ما كان يمكن لـ «الثنائي الشيعي» أن يسمح به، خصوصاً في هذه الظروف الدقيقة، ذلك أن دور رئاسة مجلس النواب يُشكّل الضمانة الشيعية للتوازن مع السنّة ضمن المؤسسات الدستورية، ولا سيما أن ما أرساه «اتفاق الطائف» من صلاحيات للسلطة التنفيذية ولرئيسها تقضّ مضاجع الثنائي، ولا ينفكّ منظرو الحزب عن الحديث، في المجالس المقفلة، عن انتظار الفرصة الملائمة لاقنتاصها  لفرض تعديلات تُقلّص من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء.

كان الأمين العام لـ «حزب الله»  السيد حسن نصر الله واضحاً في خطابه، ليلة العاشر من مُحرّم من ليالي عاشوراء، أن الفراغ ليس خياراً بديلاً للتمديد، فإما التمديد أو الانتحابات. لكن الموقف الفعلي، لا الإعلامي للحزب، أن إجراء انتحابات نيابية في الظروف الراهنة، مع انصباب جهده ومعركته في سوريا، هو مسألة تربكه وبغنى عنها، ومن شأن العملية الانتخابية أن تشحن الأجواء الداخلية، المتوترة أصلاً وتحمل مخاطر أمنية جدّية. موقف صارح به نصر الله حليفه عون، وفق ما يقول العارفون بتفاصيل اللقاء الأخير بينهما، والذي أفضى إلى اتفاق أن يحضر عون جلسة التمديد على أن يُصوّت ضده، متعهداً بعدم تقديم طعن بالقانون. وحين زار عون رئيس مجلس النواب نبيه بري، أبلغه أنه سيحضر لكن سيصوّت ضد الاقتراح.

غير أن بري ذهب أبعد من اعتبار أن حضور الأفرقاء المسيحيين وحده يؤمّن الميثاقية، مشترطاً أن تصوّت كتلتا عون و«القوات اللبنانية»، أو إحداهما، بوصفهما تمثلان «العصب المسيحي» الذي من شأنه أن يؤمّن الميثاقية المطلوبة. خطوة بري التي أثارت حفيظة نواب مسيحيين ينتمون إلى كتل خارج «العرين المسيحي» إذ جرى التعامل معهم على أنهم نواب من الدرجة الثانية، التقط إشاراتها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وما يمكن أن تحمل من مرامي وأبعاد. كانت المعادلة المطروحة واضحة أمام «الحكيم» وهي: إما التمديد أو الفراغ الذي يدفع إلى إسقاط الدولة في المجهول. فبين الخيار المُــرّ والخيار الأمـرّ، كان طبيعياً أن يسير بالقرار الأقل سوءاً. وإذا كان ثمة من يتحمّل مسؤولية عدم إجراء الانتخابات النيابية، فإنه في رأي «القوات» الوزراء المسيحيون، وفي مقدمهم وزراء تكتل «التغيير والإصلاح» المشاركون في الحكومة، والذين لديهم سلطة تقريرية وتعطيلية لأي قرار جرّاء صلاحية التوقيع التي يحظون بها مع غياب رئاسة الجمهورية، والذين كان بإمكانهم أن يقودوا معركة إجراء الانتخابات ما داموا مقتنعين بإمكانية إجرائها فيما هم عملوا على تعطيل تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات.

وفي رأي قوى سياسية أن جعجع، بالموقف السياسي الذي اتخذه، خرج منتصراً على الصعيد الوطني، إذ أثبت أنه عند المفترقات الأساسية، يُغلب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية أو الشعبوية، ويُثبت أنه يتحلى بمواصفات القيادة والقادر على أخذ جمهوره  في اتجاه المسار الذي يرسمه أو تفرضه الضرورات الوطنية، وإن كان خصمه البرتقالي يسعى في بعض الأحيان إلى جرّه لمعارك شعبوية وسط البيئة المسيحية، لكنه لا يتوانى، عند المفاصل الكبرى، عن أن يلقي جانباً «بازار السباق الشعبوي» إلى حيث المصلحة الأكبر. وهو يُثبت، من جديد، أنه يُشكل، ضمن قوى الرابع عشر من آذار، الشريك المسيحي الأوثق الذي يتكامل مع الشريك المسلم. ولعل الأهم ما حققه جعجع حين التقط إشارات بري، فالأخير حصر القوى التي توفر «العصب المسيحي» بالقوات  وعون أو أحدهما، ما يشكل اعترافاً واضحاً من خصومه الذين دأبوا على مر السنوات الماضية إلى محاولة تسويق عون على أنه صاحب التمثيل المسيحي بلا منازع.

وفي قراءة حلفاء الجنرال لأدائه، ثمة امتعاض وانزعاج وريبة من قراره في الربع الساعة الأخير من عدم حضور الجلسة، ومن موقفه « المزاجي» في التعاطي مع  استحقاق سياسي يدرك عون أهميته لحليفه الشيعي، ومن ثم تصويبه النيران على المجلس ووصفه بـ «الفاقد للشرعية». موقف استجلب مزيداً من الأسئلة حول مدى قدرة الجنرال، بعد اليوم، على خوض السباق الرئاسي في مجلس «لا شرعي». لكنه قد يكون وليد اقتناع داخلي لدى «جنرال الرابية» بأن حليفه الرئيسي، المتمثل بـ «حزب الله»، قد أطلق رصاصة الرحمة على فرص وصوله إلى قصر بعبدا، حين أعلن نصر الله عن أن مرشح قوى الثامن من آذار هو العماد عون، نازعاً عنه بهذا الإعلان، ما سعى طويلاً إلى تقديم نفسه كمرشح توافقي، خصوصاً أن إعلان نصر الله جاء في سياق دعوته إلى مدّ يد الحوار إلى الفريق الآخر في ملف الانتخابات الرئاسية، والذي يعلم علم اليقين أن الحوار، حين يحين أوانه، يعني استبعاد مرشحيّ الفريقين لمصلحة مرشح توافقي، ليس الجنرال عنواناً له.