عندما بدأ الجيش الايراني يتراجع امام القوات العراقية المتقدمة، والارض والقرى تسقط سريعاً في قبضة العراقيين، شعر الامام الخميني بثقل الخطر الذي تتعرّض له بلاده، فاعلن استعداده لوقف النار، حرصاً منه على عدم خسارة المزيد من الارواح والارض، ونقل عنه لاحقاً ان قراره هذا كان بمثابة من «يتجرّع السمّ» لكن مصلحة الوطن تتقدم على كل شيء.
في احد اللقاءات مع عدد من الصحافيين، فاجأ رئىس حزب القوات اللبنانية الحاضرين، باعلامهم ان ماكينة القوات اللبنانية بدأت استعداداتها وترتيباتها البشرية واللوجستية، لخوض الانتخابات النيابية بعد ان تحدد الحكومة المواعيد وتدعو المواطنين، وتستكمل اجراءاتها داخل لبنان وخارجه، وعندما قيل له ان النيّة لدى الحكومة وعدد من الافرقاء تتجه نحو التمديد مجدداً لأن الاوضاع الامنية التي كانت قد بدأت تعنف قريباً من الحدود اللبنانية، والوضع في طرابلس ليس على ما يرام، اكد جعجع ان اسوأ ما يمكن ان تواجهه الحياة السياسية، هو التمديد، خصوصاً في الدول ذات الانظمة الديموقراطية، وتجربة التمديد الاولى يجب الا تتكرر، حتى ولو اضطررنا الى اعتماد قانون الستين السيئ.
امس، وأول امس، وانا اتابع الحملة المبرمجة على حزب القوات اللبنانية ورئىسه، دون غيرهما من الاحزاب والنواب الذين وافقوا على اقتراح التمديد، بل وجّهت جميع النعوت والاتهامات والسهام الى الحزب المسيحي الاكبر على الساحة اللبنانية الذي صارع منذ اليوم الاول لفراغ منصب الرئاسة وقبل الفراغ، ونبّه، وحذّر، من مخاطر الفراغ، وتنازل عن ترشيح رئيسه، ودعا الى التوافق على مرشّح يقوى باحتضان جميع المسيحيين له، تذكّرت معاناة الامام الخميني امام اخذ قرار اشبه بتجرّع السمّ، .وتأكدت ان سمير جعجع مرّ بالحالة ذاتها، وهو يوافق مكرهاً على التمديد طلباً لانقاذ البلاد من اخطار كيانية وامنية ودستورية، سوف تنفجر دفعة واحدة في 20 من الشهر الجاري في حال تمدّد الفراغ من رئاسة الجمهورية الى مجلس النواب فالحكومة، وتأكد لي ايضاً أن السياسة في لبنان مقرفة، عندما تتحوّل الشجاعة في اخذ المواقف غير الشعبية من اجل مصلحة لبنان، عند البعض الى سوق عكاظ لاستجداء شعبية «غنمية» لا يهمها ان تعرف ان التمديد للمجلس النيابي ما كان ليحصل لولا الفراغ في الرئاسة، وسمير جعجع ليس المسؤول عن هذا الفراغ.
ان اغتنام الفرص في اللعبة السياسية، للانقضاض على الخصم، أمر مشروع ومعمول به في كل ديموقراطية، ولكن عندما يكون مصير البلاد هو المسألة، تسقط عندها جميع الالاعيب السياسية وسياسة الربح والخسارة، وهذا الأمر، على ما يبدو فان بعض الاطراف السياسية المسيحية والاسلامية التي ساءها ان يكون حزب القوات، ممثل المسيحيين في الميثاقية الوطنية، وان يتكرّس هذا الدور مستقبلاً، من هنا كان التصويب على هذا الحزب الذي وصل الى ما وصل اليه بسبب نضاله ودماء شهدائه، وتضحيات رئيسه، وبالمناسبة أدعو جميع اللبنانيين، وفي شكل خاص خصوم سمير جعجع الى قراءة كتاب ندى عنيد «سمير جعجع حياة وتحديات» ليتعلّموا كيف يقوى الرجال على العذاب والتعذيب والاهانات والاساءات والمؤامرات التي تدبّر لهم، مثلما فعل سمير جعجع في 11 سنة سجن، وكيف تنتصر الارادة على الجلاّد، وسوف يشعرون عندها مثلما انا شعرت، بالخجل ان اكون مواطناً في دولة حكمها حفنة من الموظفين المجرمين، ومن السياسيين الجبناء، ومن القضاة الأرانب.
كلمة أخيرة لشباب وشابات ما يسمّى بالحراك المدني، اعرف نيتكم الطيبة وشعوركم بالاحتقار من مجلس نيابي فاشل وعاطل عن العمل، مدّد ولايته غير المنتجة مرتين، مزوراً وكالتكم التي عمرها 4 سنوات فقط، ولكن ولكن يا شباب اين كنتم وماذا فعلتم، طول خمسة اشهر ويزيد على الفراغ في منصب الرئاسة الاولى، ولماذا لم تشمّروا عن زنودكم امام مكاتب ومنازل من عطّل هذا الاستحقاق، ومن عطّل اخذ الاجراءات والتدابير اللازمة لتحقيق الانتخابات النيابية في موعدها المحدد، ومن حال دون عرض مشاريع قوانين الانتخاب على المجلس النيابي للتصويت عليها، ومع ذلك حيّدتم هؤلاء عن الاتهامات والشتائم السوقية التي ترددت في ساحة النجمة، و«جلدتم» من يعمل على حمايتكم وحماية وطنكم من الفراغ القاتل، وكأن من اطلقكم في الشوارع والساحات، «برمج» لكم الاهداف والمستهدفين.
التمديد سمّ عزاف، لكن العافية تأتي ايضاً من السمّ.