IMLebanon

جعجع لفرنجية: أريد الداخلية والرئاسة.. ولا لشامل روكز!

بنشعي هادئة جداً. غرقت قبل أيام في صقيع تفوّق على صقيع معراب والرابية. لكن الكلام الخارج من هنا يلهِب كل المحاور. حتّى حين يقرّر «البيك» أن يغرّد في الفضاء الافتراضي «يولّعها». قبل ردّ التحية الى «سيّد الكلّ» حسن نصرالله، آخر السطور المكتوبة تفعل فعلها على الارجح لدى «الفريق الأزرق» حامل لواء سليمان فرنجية. متسلّحا بـ «هاشتاغ» «المقاومة» والجيش اللبناني، يطلب «البيك» كل الدعم لـ «حرّاس الحدود والمرابضين على الجبهات في عرسال».

بنشعي هادئة، لكن «رئيسها القوي في بيئته» منفعل هذه الايام ويقول الامور كما هي. هو سليمان فرنجية الذي لا يستطيع إلا أن يشبه نفسه حتى حين يتحامل عليه بعض المحسوبين على بيئة المقاومة فيصوّرونه تابِعا، «طالِعا» من جلده. ستكون قمة السخرية في السياسة والتحالفات وفي الزمن الرئاسي ان يعترف فرنجية بأنه «أصلي» عند «14 آذار».. و«تايواني» عند «8 آذار»!

مؤخّرا خفّت القدرة على ضبط الانفعالات. صارت الامور تقال كما هي من دون رقابة ذاتية. ليست الغاية قطع الجسور مع أحد بل تصويب المسارات والحقائق.

لا شئ يوحي هنا بالاستعداد لاستقبال موكب «الجنرال»، طبعا كما تقتضي الاصول الزغرتاوية. كأن الزيارة لن تحدث ابدا. السقوف العالية تحيلها الى بند أخير في «الخطة ج».

الرجل الذي تحرّر منذ فترة طويلة من ربطة العنق إلا حين تفرض الضرورة القصوى ذلك، لم يتحرّر تماما من التزامه المعلن والمعروف والمكرّر حيال ميشال عون. كل المسألة أنه نطق أخيرا وكشف أنه، منذ البدايات، كان الوعد مشروطا ولم يكن شيكا على بياض الى حدّ إلغاء الذات والطموح والحيثية…

لم يغيّر «إعلان معراب» الرئاسي في الكثير من نظرة سليمان فرنجية الى الملفّ الرئاسي. قبل أن يظهر «السيّد» على الشاشة متحدّثا عن خيارات «حزب الله» الرئاسية وتساؤله عن جدوى انسحاب رئيس «تيار المردة» طالما ان «تيار المستقبل» متمسّك برفضه لميشال عون، كان فرنجية يردّد أمام زواره العبارة نفسها «وهل سيغيّر انسحابي من السباق الرئاسي في النتيجة؟».

يقارب فرنجية احتفالية معراب من أكثر من زاوية سلبية: هي محاولة ثنائية أولا لضرب ترشيحه، وتختزن في داخلها كل المقوّمات «الإلغائية» للاخرين على الساحة المسيحية. وبشيء من حسّ الفكاهة يقول فرنجية «الآن زادت شعبية عون من 70 الى 80 % بعد ان ضمّ الصوت القواتي اليه».

أكثر من ذلك، يرى رئيس «تيار المردة» أنه لن يكون هناك خبز لـ «القوات» في الشمال، فيما جعجع «سيأكل حكما من حصة العونيين، بنتيجة هذا التوافق، في كسروان والمتن وبعبدا وجزين…».

لكن الأهم في «إعلان معراب» الرئاسي انه يعيد فتح دفاتر التفاوض السابق بين «تيار المردة» و «القوات اللبنانية»، وما يمكن أن تفرضه معراب من خيارات على الرابية في مراحل لاحقة.

لم يكن تفصيلا هامشيا ان يشير الأمين العام لـ «حزب الله» في خطابه الاخير الى التفاوض الذي كان لا يزال دائرا بين بنشعي ومعراب في الوقت الذي تمّ فيه الاعلان في حزيران 2015 عن «ورقة النيات» بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية».

لكن التتمّة لهذا التفصيل تأتي من «الرواية الرسمية» غير المعلنة لما حصل حقيقة على طاولة النقاش «القواتي ـ المَرَدي». قبل نحو عامين هدفت اللجنة الموسّعة، بعد اللجنة الثنائية القديمة، برعاية المطران طربيه وعضوية يوسف سعادة ووضاح الشاعر من جانب «المردة» وفادي كرم وطوني الشدياق وايلي خوري من جانب «القوات»، الى تطبيع العلاقة خصوصا لجهة خلق مناخات ايجابية واستيعاب الاحتكاكات على الارض والخلافات بين قواعد الطرفين.

لكن بعد نحو عام تفرّعت عن هذه النقاشات «مهّمة فوق العادة». يبادر طوني الشدياق، ضمن إطار جسّ النبض، الى طرح اسئلة على النائب سليمان فرنجية عبر يوسف سعادة، من ضمنها احتمالات ترشّحه الى رئاسة الجمهورية. جواب بنشعي كان واضحا وفوريا: لدينا مرشّح في فريق «8 آذار» هو ميشال عون، وانا لا اطرح نفسي كمرشّح لكن إذا اتى هذا الترشيح من الفريق الاخر، فهذا موضوع آخر. عمليا بقيت بنشعي على ثباتها في التمسّك بترشيح عون كأولوية الى حين لقاء باريس والافصاح العلني عن «الخطة ب» بما ان «المردة» ليس «جمعية خيرية».

وفي مقابل الحماسة القواتية في التركيز على ترشيح فرنجية أكد الاخير ما مفاده «اصواتكم ووقوفكم الى جانبي لا يكفي، عليكم ان تقنعوا سعد الحريري». سمير جعجع الساعي لأن يكون الممرّ الالزامي في ملفّ الرئاسة لم يتأخّر بالجواب: إذا اتفقنا سأقنع سعد الحريري والسعودية.

وبالتزامن مع بدء النقاش السياسي التفصيلي بين «القوات» والمردة» كانت تتمّ الصياغات الاخيرة لـ «ورقة النيات» بين «القوات» و«التيار الوطني الحر». كان العنوان العريض لفرنجية «لن أكون نسخة «مخفّفة» من مشروع 14 آذار، والمصلحة الوطنية تقتضي ان نتقدّم جميعا الى منتصف الطريق».

ثمّة أمور تمّ حسمها سريعا بوصفها من البديهيات وأمور أخرى بقيت معلّقة ومتروكة للنقاش ومنها محسومة كالموضوع السوري، الى حين تقديم العرض القواتي الصريح والمباشر: أولا، وزارة الداخلية لـ«القوات» في حكومة العهد. ثانيا، رفض تعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش من ضمن الرغبة القواتية بإصلاح العلاقة مع المؤسّسة العسكرية والتي لن تستقيم بوجود قائد جيش «معاد». ثالثا، دعم معراب لفرنجية يفترض أن يقود طبيعيا الى دعم الاخير لسمير جعجع للرئاسة في مرحلة لاحقة… إضافة الى تفاصيل أخرى.

في موضوع وزارة الداخلية أكد فرنجية ان هذا المطلب يصبّ في إطار التضييق على فريقه السياسي في الانتخابات في حال تسلّمت «القوات» ما يطلق عليها «أمّ الوزارات»، وأنه غير قادر على منح ضمانات حيالها بما ان هناك قوى سياسية لها رأيها الحاسم بالموضوع، خصوصا أن فريق «8 آذار» قد يطالب بها، لكن في حال رسا القرار على أن تكون للمسيحيين ضمن «14 آذار» فلن يكون عندي مشكلة بالموضوع.

في ما يخصّ العميد روكز قال فرنجية بصريح العبارة «شامل روكز خيارنا، وقد يكون خيار أي رئيس جمهورية مقبل، وهو مؤهّل لهذا الموقع، وانا شخصيا أدعمه وأحبّه واثق به، ولتترك اللعبة لمجلس الوزراء».

في الرئاسة لم يتردّد فرنجية في التأكيد «بكير على هذا الكلام» وأن لا احد قادر على إعطاء ضمانات بعد 6 سنوات، خصوصا في ظل فيتوات متوقّعة، لكن أنا أكفل أن من يصل الى الرئاسة أن يتشارك مع كافة المسيحيين في الدور والثقل في السلطة والعهد.

بعد توقيع «إعلان النيات» طلب «المردة» بعض التوضيحات من «القوات»، فكان الجواب الحاسم بأن ملف الرئاسة لم يطرح على طاولة التفاوض. والوقائع اثبتت لاحقا، بمنطق بنشعي، بأن بند الرئاسة لم يحضر فعلا على طاولة التفاوض إلا بعد ترشيح الرئيس الحريري لفرنجية، فجاء كردّة فعل وليس الفعل بذاته.

تحت تأثير منخفض اقليمي جمّد الحديث لأشهر في رئاسة الجمهورية، توقفت الاجتماعات قرابة ثلاثة أشهر بين «القوات» و«المردة»، لكن حين نشطت لغة الرسائل بين بنشعي والرئيس الحريري، بادر الوزير السابق يوسف سعادة الى الاتصال بطوني الشدياق ووضعه في أجواء اللقاء المرتقب مع الحريري في باريس، (الذي لم يكن يوحي بالنسبة لفرنجية اصلا بأنه سيصل الى حدّ قبول الحريري صراحة بترشيحه لرئاسة الجمهورية)، ثم سؤاله «هل ما زلتم على رأيكم حيال تأييدكم لترشيح فرنجية والمتفق عليه؟». كان موقف «القوات» انه «حاليا هناك جمود رئاسي، لكن في حال تحرّك الملفّ مجدّدا، فهذا سيشكّل عاملا مساعدا، وعندها سنعيد البحث في كل ما اتفقنا عليه، ونحن ما زلنا على رأينا».

بعد العودة من باريس ووضوح الرؤية الحريرية في ترشيح فرنجية، «تَعَازم» «المردة» و «القوات»: من يتّصل بِمَنّ، ومن يوضِح لِمنّ؟. افترضت بنشعي المستاءة من الموقف السلبي المفاجئ تجاه «البيك» ان خلاف «القوات» مع الرئيس الحريري يفترض أن لا ينسحب على العلاقة الطريّة والمتفق عليها مع فرنجية، وأن على جعجع مسؤولية توضيح ذلك بشكل مباشر، فيما كان التساؤل الاساسي هل التواصل مع «القوات» بعد باريس كان سيغيّر من المسار الذي قاد لاحقا الى ترشيح جعجع لعون؟

كل ما قيل لاحقا في الاعلام، وعلى لسان قيادات في كتلة «القوات»، تكفّل بايضاح ما كانت ستعجز الاتصالات الهاتفية عن توضيحه، مع العلم انه طيلة فترة التواصل بين بنشعي ومعراب خلال نحو سنتين لم يحصل اي اتصال مباشر بين سليمان فرنجية وسمير جعجع، لا هاتفيا ولا وجها لوجه…