أمور كثيرة يمر بها تيار المستقبل في الوقت الراهن ولا يُحسد عليها. بعيداً عن أزماته الداخلية وضائقته المادية، أتى ملف رئاسة الجمهورية ليُظهر المزيد من التشرذم بين مكوناته. سؤال «صقور» و«حمائم» تيار المستقبل عن توجهاتهم للرئاسة اللبنانية، يكاد يُشبه عاشقا يُمسك وردة يزيل أوراقها ورقة ورقة: «عون… فرنجية؛ عون… فرنجية».
ومع كّل كلمة أمل يتفوه بها المؤيدون لإنتخاب النائب ميشال عون رئيساً من داخل «المستقبل»، يتقوقع جمهور التيار الوطني الحر داخل إحباطه أكثر فأكثر. في هذا الإطار، أتت آخر حادثتين من فصول قصة إبريق الزيت الرئاسي، من دون الإلتزام بتسلسلهما الزمني.
الأول هو نشر جريدة «الأنباء» الكويتية، أمس، خبراً نقلاً عما سمته «مصدرا مُقربا من الرابية» يفيد بأنّ «نادر الحريري مدير مكتب الرئيس سعد الحريري اتصل بالعماد ميشال عون وأبلغه قرار الرئيس الحريري النزول إلى جلسة انتخاب رئيس جمهورية لانتخابه». ساعات قليلة مضت قبل أن تنفي «الأنباء» الخبر، مُعللة نشرها له بأنه نتيجة وقوعها «ضحية مصدر خاطئ»، ليخطو بعدها التيار الوطني الحر الخطوة نفسها نافياً أن يكون عون قد تلّقى اتصالاً من نادر الحريري.
الحدث الثاني، هو زيارة موفد الحريري النائب السابق غطاس خوري إلى معراب ولقائه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، بحضور مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في القوات ملحم رياشي. أربعة أيام مرّت على اللقاء من دون أن تنضب التفاصيل الإضافية التي تُكشف يومياً عن هذا الإجتماع. موضوعان أساسيان دار حولهما الحديث بين «حليفي الإكراه»: الإنتخابات الرئاسية وقانون الإنتخابات النيابية. نُشر الكثير في الصحافة اللبنانية عن تمسك جعجع بعون وعدم قبوله التنازل عن هذا «الإلتزام» بين التيار والقوات قيد أنملة. جاء تصريح خوري بعد اللقاء واعتباره أنّ «النقاش قائم حول إمكانية إيجاد خرق ما في الملف الرئاسي. لا قرار نهائيا في هذا الاتجاه. الرئيس الحريري سيعود قريباً من سفره ليتحرك هذا الملف مجددا بطريقة ما نحو مكان جديد»، ليزيد جرعات الإيجابية التي خيمت على المشهد العام.
«كُل ما يُحكى في الإعلام عن رئاسة الجمهورية، وخاصة ما رشح عن الإجتماع بين جعجع وخوري، غير دقيق. الكل بانتظار عودة الحريري من السعودية ولكن مجنون من يعتقد أن السعودية ستعطي الضوء الأخضر لإنتخاب حليف حليف إيران رئيساً للجمهورية في وقت يستعر فيه الخلاف بين الدولتين الإقليميتين»، تقول مصادر مقربة من تيار المستقبل، مُطلعة على تفاصيل لقاء معراب. لدى الحديث عن الملف الرئاسي، «أقر جعجع لموفد الحريري بصعوبة وصول عون إلى قصر بعبدا وانتخاب رئيس في الوقت الراهن». لذلك، كان واضحاً تركيز رئيس القوات في الفترة المقبلة على «ضرورة إجراء الإنتخابات النيابية والإتفاق على قانون جديد للإنتخابات، والتعويل بالدرجة الأولى على وجود مشروع قانون مشترك بين القوات والحزب التقدمي الإشتراكي وتيار المستقبل».
فما كان من خوري إلا أن استفسر من جعجع: «كيف نسير بهذا المشروع والفريق الشيعي المُمثل بحزب الله وحركة أمل غير راضٍ عنه؟». ردّ جعجع بضرورة أن يتحاور تيار المستقبل مع الرئيس نبيه بري ويتوصلا إلى نقطة التقاء حول قانون الإنتخابات. وتؤكد المصادر نفسها أنه «إذا لم يُنتخَب رئيس للجمهورية، فإن الإنتخابات النيابية حاصلة لا محال».
لا تُنكر مصادر معراب المعلومات التي ينقلها مقربون عن تيار المستقبل، «تقريباً هذه هي الأجواء نفسها. ولكن جعجع قال إن هناك صعوبة حالياً لإنتخاب عون، لأن حزب الله لا يريد رئيساً للجمهورية». لذلك حاول جعجع إقناع خوري بأنّ «يُحرج الثلاثي عون ــ جعجع ــ الحريري، حزب الله، لإنتخاب الجنرال». لا تفوّت القوات اللبنانية مناسبة إلا تستغلها لوضع العثرات على طريق الرابية ــ الضاحية. وفي المقابل، لا يبدو تيار المستقبل أنه سيتخلى عن ترشيح النائب سليمان فرنجية. تُحاول مصادر معراب «تبرئة» حليفها: «ليس المستقبل هو المُجبر على التخلي عن فرنجية، بل حزب الله مُجبر على انتخاب عون».
الملف الثاني الذي طُرح في هذه «الجلسة الصريحة، التي خلع فيها الطرفان قفازاتهما»، هو قانون الإنتخابات. ما نصحت به معراب كان «محاولة التوافق مع حزب الله وحركة أمل على قانون جديد، والمفاوضات يجب أن يقوم بها المستقبل، لأن الخلاف هو بينهما حول تقسيم المقاعد». أصبح من «المُسلم به أن الكل يقبل القانون المختلط، الإختلاف هو على بعض التفاصيل». في المرحلة المقبلة، «سنتشدد نحن والتيار الوطني الحر ونحاول الضغط في الإتجاه نفسه من أجل إقرار قانون جديد»، ولكن، إذا «عاكستنا الظروف، فسنُصوت لمشروع القانون المشترك مع الإشتراكي والمستقبل».