جعجع لإبن سلمان: الحريري عاجز… فتِّشوا عن غيره
وقائع الانقلاب على زعيم «المستقبل»
لم ينه المستقبل بعد جردة حساب تشمل الذين طعنوا سعد الحريري، سواء في محنته، او المشاركين في الانقلاب عليه. بعض هؤلاء داخل تياره. وبعضهم من فريقه السياسي الأكبر. لكنهم يضعون على رأس اللائحة حليفاً وخصماً. الاول هو سمير جعجع، أما الثاني فأشرف ريفي
المستمع إلى كلام بعض قادة تيار «المستقبل» وهم يتحدّثون عن القوات اللبنانية في الأيام التي تلت استقالة الرئيس سعد الحريري، يظنهم يتحدّثون عن عدوّ. عدوّ، لا خصم. في الدائرة القيادية في التيار الأزرق، قناعة راسخة بأن رئيس حزب القوات، سمير جعجع، شارك في انقلاب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على الحريري.
وباتت لدى المستقبليين رواية كاملة، تتقاطع مع معلومات دبلوماسيين عرب وغربيين، وتستند إلى ما يسمونه «معلومات دقيقة وموثّقة» عن دور جعجع في الانقلاب، وفي تكوين قناعة محمد بن سلمان باستبدال الرئيس الحريري بشقيقه بهاء.
تقول الرواية إن لقاء جعجع ــ ابن سلمان في 28 أيلول الماضي، شهد جردة حساب للعام الأول من عهد العماد ميشال عون وحكومة الحريري. وكان ابن سلمان يتحدّث عن التطورات في المنطقة، مستعرضاً ما جرى في السنوات الماضية في اليمن والبحرين والعراق وسوريا. أسهب في الحديث عن خطورة إيران وحزب الله، مشدداً على ضرورة مواجهة الحزب في لبنان عبر إعادة توحيد قوى 14 آذار. وقال الحاكم الفعلي للسعودية إنه مستعد لحل أزمة الحريري المالية، ودعم قيادته جبهة 14 آذار الموحدة لمواجهة حزب الله، سياسياً وإعلامياً وانتخابياً.
ردّ جعجع كان مفاجئاً. فهو أكد لمضيفه أن الحريري لم يعد يصلح لمواجهة الحزب. وشرح كيف أن اتفاق الحريري مع ميشال عون يكبّل الأول، فضلاً عن أن «سعد مرتبط بتفاهمات مع حزب الله، وهو ينسّق معهم في كل صغيرة وكبيرة، ويلتقي المعاون السياسي لحسن نصرالله، حسين الخليل، مرة على الأقل في الأسبوع». وأضاف رئيس القوات أن هذه التفاهمات مع عون والحزب سابقة لانتخاب رئيس الجمهورية، والحريري تطبّع معها ولم يعد قادراً على التراجع عنها. وختم مطالعته بالقول إن الحريري عاجز عن قيادة جبهة مواجهة الحزب، والقيام بهذه المهمة يقتضي البحث عن شخصية سنية أخرى، تستطيع العمل ضد حلفاء إيران في لبنان.
تضيف الرواية نفسها: بدا محمد بن سلمان مستعجلاً للبدء بتنفيذ خطوات عملية لإرباك حزب الله. لكن جعجع بقي مصراً: سعد الحريري ليس الشخص المناسب لأداء هذا الدور، ويجب البحث عن شخصية سنية أخرى قادرة على الصمود، ولا تربطها أي اتفاقات بعون والحزب.
سريعاً، ظهر لدى السعوديين اسم بهاء الحريري، ليكون الزعيم الذي يحمل اسم رفيق الحريري، ويؤمّن الغطاء لشخصيات سنية ثانوية، كأشرف ريفي، لقيادة المواجهة.
غادر جعجع الرياض إلى أستراليا، وبدأ من هناك عزف نغمة الاستقالة من الحكومة، محرِجاً الحريري عبر المزايدة عليه في ملف «التطبيع مع النظام السوري». وبعد أشهر على موافقة وزراء القوات على التشكيلات الدبلوماسية، ومن ضمنها تعيين سفير في دمشق، فجأة، اختُرِعَت قضية اسمها «توقيع الحريري على قرار إرسال السفير سعد زخيا لتقديم أوراق اعتماده للرئيس السوري بشار الأسد». ودخل وزراء جعجع جلسة مجلس الوزراء الأخيرة (2 تشرين الثاني، قبل يومين من إجبار الحريري على الاستقالة) ليعلنوا تحفّظهم عن الخطوة التي شاركوا في صنعها!
هذه الإشارات حسبها الرئيس الحريري وفريقه تزخيماً انتخابياً لا أكثر. لم يجيدوا أيضاً قراءة إشارة أخرى، ظهرت من مكان بعيد عن معراب. فقبل أسبوع تماماً من استدراج الحريري إلى الرياض وإجباره على الاستقالة، استقبل النائب وليد جنبلاط، بحضور أحد أفراد عائلته والنائب وائل بوفاعور، رجل الأعمال صافي كالو. الأخير شريك تجاري لبهاء الحريري. فوجئ جنبلاط بكالو يطرح اسم بهاء، كرجل المرحلة لمواجهة حزب الله، بدعم سعودي. وفهم منه أن كلامه يعني أن يحل بهاء مكان شقيقه سعد. صدمة جنبلاط كانت قوية إلى حد أنه اعتذر عن عدم اكمال اللقاء، متذرّعاً بآلام أصابت كتفه، وترك كالو مع أبو فاعور.
عاد بهاء ليظهر في خلفية المشهد عندما سافر وزير العدل السابق أشرف ريفي إلى ميلانو الإيطالية، قبل أيام من استقالة الحريري. فلدى قيادة المستقبل «أدلة حسية» تثبت أن ريفي انتقل من ميلانو إلى فرنسا، وزار بهاء في موناكو. وفي طريق العودة، مرّ بميلانو مجدداً، لإبعاد الشبهات. وصل الى بيروت يوم السبت 4 تشرين الثاني (اليوم الذي استقال فيه الحريري). أما بهاء، فانتقل من ميلانو إلى الرياض في اليوم التالي. الجزء الأخير من الرواية صار معروفاً: سعد الحريري في الإقامة الجبرية، فيما السفير السعودي المعيّن في لبنان، وليد اليعقوبي، يتولى الاتصال بأفراد عائلة الحريري: النائبة بهية الحريري، ابنها أحمد، أبناء الرئيس الشهيد رفيق الحريري هند وفهد وأيمن، ليدعوهم إلى الرياض، بهدف مبايعة بهاء زعيماً سياسياً للعائلة والتيار خلفاَ لسعد. رفضوا تلبية الدعوة، وخرج وزير الداخلية نهاد المشنوق في تصريحه الشهير من دار الفتوى: لسنا غنماً. لا نبايع.
بعد العائلة والمشنوق، اجتمع تيار المستقبل، بجميع أجنحته، ليعلن التمسّك بسعد. ثم بدأت تتوالى المواقف الدولية المطالبة بعودة رئيس الحكومة اللبنانية إلى بلاده، بعدما ظهر أن مقامرة محمد بن سلمان خاسرة، وأنها ستؤدي إلى نتائج عكسية تصبّ في مصلحة حزب الله وحلفائه.
فشل الانقلاب، ليرحل بهاء عن الرياض أمس. وبعد سنوات من الاختفاء عن رادار الإعلام، منح مقابلة لوكالة «أسوشييتد برس» أمس، أيّد فيها استقالة شقيقه، وجدد شكر السعودية، وهاجم إيران وحزب الله.
قيادة تيار المستقبل تجري جردة الحساب. المشاركون في طعن الرئيس الحريري من داخل فريق 14 آذار كثر. هل النائب السابق فارس سعيد أحدهم؟ يجيب مسؤول مستقبلي رفيع المستوى بالقول: «المؤامرة كانت أكبر من سعيد. لكنه شارك في تأمين الغطاء المسيحي لها، عبر إقناع البطريرك بشارة الراعي بالذهاب إلى الرياض، رغم علمه بأن رئيس الحكومة محتجز».
وماذا عن سامي الجميِّل؟ يجيب مسؤول مستقبلي آخر: لا أحد يعوّل عليه.