للمسيحيين الموارنة زعماء أربعة كبار هم: العماد ميشال عون و”الدكتور” سمير جعجع والرئيس أمين الجميل والنائب سليمان فرنجيه. ويبدو واضحاً من ترتيب الأسماء أن عون وجعجع هما الأبرز لأنهما الأكثر تمثيلاً عند المسيحيين وليس لأي سبب آخر. ويبدو واضحاً أيضاً أنهما يشكِّلان معاً إحدى أبرز العقد الداخلية التي حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس لجمهورية لبنان.
كيف ذلك؟
لا يريد الدكتور جعجع أن يرى العماد عون رئيساً في قصر بعبدا. ويطمح ربما إلى أن يكون هو الرئيس المقبل للبنان وخصوصاً بعدما نجح في أعقاب استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان مع استمرار حلفائه فيه، أولاً في الخروج من السجن، وثانياً في تبييض صفحته مع المسلمين وخصوصاً السنّة الذين خاضوا حرباً كان هو من أبرز رموزها. لكنه يعرف أن ظروف وصوله إلى هذا الموقع المهم ليست ناضجة اليوم، ولا يعرف أحد ما إذا كانت ستنضج يوماً. لذلك صار هدفه منع “عدوِّه” المسيحي، وعذراً لاستعمال هذه الكلمة الأكثر تعبيراً عن العلاقة بينهما، العماد ميشال عون من الوصول إلى الرئاسة. ويبدو حتى الآن على الأقل، وما لم يحصل تطور إستثنائي جداً، أنه نجح في تحقيق هذا الهدف رغم أن الشغور لا يزال يشمل قصر الرئاسة وأن الفراغ يملأه.
إلا أن قائد “القوات”، كما كان يسمى يوم كانت تنظيماً عسكرياً أي ميليشيا، صار عنده طموح آخر هو أن يكون “صانع الرئيس” (President maker)، ليس بتسمية المرشح الذي يريد وإنما بوضع “فيتو” على المرشح الذي يرفض أن يراه رئيساً منتخباً في قصر بعبدا. وقد بدأ العمل لتنفيذ هدفه، وخصوصاً عندما ارتفعت حظوظ مرشح جدّي للرئاسة لا يحظى بوده ومحبته وعاطفته وتأييده، رغم تعمُّد القريبين منه نفي هذا الأمر علانية تحسُّباً ربما للفشل في منع وصوله إلى الرئاسة. وبما أن الناخب الفعلي للرئيس اللبناني في هذه المرحلة إثنان هما المملكة العربية السعودية وإيران الإسلامية، وبما أن حظوظه مفتوحة فقط مع الأولى فقد اندفع لإقناعها بضرر هذا المرشح وعدم ملاءمته وضع لبنان. كما فعل الشيء نفسه مع أميركا التي من دون “ختمها” لا يصير الإنتخاب الرئاسي رسمياً.
ماذا عن العماد عون؟
يعرف الجميع تمسّكه بالرئاسة ورفضه التنازل عنها لأي كان قريباً أو نسيباً أو صديقاً أو حليفاً لأن الفرصة الرئاسية المتاحة له اليوم هي الأخيرة، أطال الله عمره. ويعرفون ايضاً أن حليفه الداخلي “حزب الله” والاقليمي سوريا الأسد والناخب الرئاسي الاقليمي الثاني إيران لن يتخلّوا عن تأييده ودعمه، رغم تأكدهم من استحالة وصوله في ظل الإصطفاف شبه المتساوي نيابياً بين مؤيديه ومؤيدي جعجع في مجلس النواب. انطلاقاً من ذلك يمكن القول أن لا هدف رئاسياً آخر له. فليس همّه إبعاد جعجع عن قصر بعبدا لأنه متأكد من استحالة دخوله إياه رئيساً. لكن يمكن القول أيضاً إنه عندما تنضج ظروف الإنتخابات الرئاسية إقليمياً، أي عندما تصبح آفاق الحوار الرئاسي بين الرياض وطهران مفتوحة، فإن المسؤولين فيهما سينمحون “الجنرال” حق تسمية الرئيس، ولكن ليس أي رئيس بل الرئيس التوافقي القادر على إدارة الأزمة وعلى منع النار السورية من الإنتشار في لبنان، وعلى تلافي الفتنة السنّية – الشيعية والإسلامية – المسيحية. كما أنهم سيمنحونه حق الإعتراض على قبول أو رفض المرشح الذي يعتبره تحدِّياً له، غير “الحكيم” طبعاً. والإمتيازان هذان قد لا يكونان مُتاحيْن لرئيس “القوات اللبنانية”، أولاً لأنه فريق مسيحي ماروني من أربعة، وإذا سار الثلاثة في الخيار الاقليمي السعودي – الإيراني ومعهم مرجعيات دينية مسيحية لا يعود في استطاعته إلا المعارضة والتصويت بلا، أو الإمتناع عن التصويت. وثانياً، لأن حليفه المحلي “تيار المستقبل” سيكون حتماً مع الخيار الاقليمي المزدوج المشار إليه.
في أي حال إن ما يقوله اخصام عون عن أنه لا يستطيع أن يخرج “رئاسياً” عن قرار إيران – سوريا – “حزب الله” يقول مثله عن جعجع أخصامه، أي أنه لا يستطيع أن يخرج عن قرار السعودية – “المستقبل” واستطراداً أميركا. علماً أن الموضوعية تقتضي الإشارة إلى أن الإثنين ليسا طيّعين إلى هذه الدرجة، إذ قد يعبِّران عن رفضهما أو استيائهما بالإمتناع عن التصويت أو بالتصويت ضد “المرشّح” المحظوظ من دون أن يتسببا بإسقاطه وتالياً باستمرار الفراغ.