سمير جعجع من اكثر السياسيين الذين احسنوا الاداء السياسي والتموضع مؤخراً بدون ان يخسر من رصيده السياسي والشعبي، فهو لم ينتقل من 14 آذار ولم يتراجع عن مواقفه التي تنتمي الى هذا الفريق رغم انه كان اول من بادر الى ترشيح اقسى اخصام هذا الفريق، او بالعكس فان خطوات جعجع منذ تفاهم معراب الى اليوم المنتظر لوصول ميشال عون الى قصر بعبدا أكسبت رئيس القوات الكثير في السياسة حيث لم ينجح كثيرون، فصحيح ان ميشال عون يكاد يحقق حلماً ضاع من ستة وعشرين عاماً ويتوج مرحلة نضاله السياسي الا ان جعجع حقق في بضعة خطوات منذ وضع يده بيد ميشال عون ما عجز في تحقيقه لسنوات خلت من مصالحة مع المجتمع السياسي وطي صفحة الماضي مع ميشال عون وتلميع صورته المسيحية الى حد كبير التي تشوهت لدى بعض المسيحيين في مرحلة الاحداث والحرب اللبنانية.
ثبت سمير جعجع معادلة ان الرئيس المسيحي هو نتاج «صنع في لبنان» تؤكد المصادر، فهو الذي مهد طريق عون الى القصر، وهو الذي كرس العرف القائل بان الاندفاعة الداخلية والتكتيك الذكي قد تنتج رئيساً رغم كل التعقيدات وهي ضرورية في هذه المرحلة البالغة التعقيد امنياً وسياسياً وصح اعتقاده. ولعل جعجع تقصد تسليف «الجنرال» موقفاً تاريخياً لم يسبقه اليه حلفاؤه من الخط السياسي الواحد في بنشعي وعين التينة اما للمزايدة على هؤلاء او لتحقيق مكاسب في مراحل لاحقة. فسمير جعجع يدرس خطواته جيداً على الساحة المسيحية وهو منذ انجز تفاهم معراب مقتنع بان التقارب من ميشال عون افضل من الافتراق عنه، فالتفاهم اكسبه على الساحة المسيحية ولم يخسره في السياسة فلم يقطع علاقته بتيار المستقبل وان ساءت في المراحل الماضية وبالعكس فان ترشيح سعد الحريري لعون قرب المسافة مجدداً بين الحليفين بحسب المصادر واثبت ان ما حصل على خلفية الملف الرئاسي بينهما «غيمة صيف ومرت» وان لطشة الحريري لجعجع في احتفال «البيال» وتقربه من سامي الجميل لم يحقق مبتغاه ولم ينتقل الشيخ في بكفيا الى موقع جعجع ليحتل مكانه وموقعه بالنسبة الى زعيم المستقبل.
واذا كانت الاستحقاقات الداخلية وخصوصاً بين ميشال عون وحزب الله عرفت او ارتبطت بالوعد الصادق من الضاحية الى الرابية على ما وصفت العلاقة بينهما منذ توقيع تفاهم مار مخايل عام 2006 والذي حمى المقاومة التي طعنت بالظهر من اللاعبين في الداخل وأمن لها الغطاء المسيحي وحيث ان حزب الله «رد الجميل» لعون اليوم في استحقاق الانتخابات الرئاسية بالتزام أخلاقي لا مثيل له في العلاقات السياسية، فان صفة الوعد الصادق تنطبق ايضاً اليوم على علاقة معراب والرابية تؤكد المصادر، التي تشكل صدمة للعارفين عن كثب في التفاهمات الحاصلة بين عون وجعجع وما يدور في كواليس الرجلين وحيث ان جعجع يبدي ليونة في التعاطي مع «الجنرال» كما لم يفعل من قبل وكأن الماضي الاسود بينهما لم يحصل يوماً، وحيث تؤكد المصادر ان ثمة قطبة اساسية غير مخفية في اصرار الحكيم وممارسته دوراً كبيراً في ترتيب انتقال سعد الحريري للسير بخيار ميشال عون رئيساً وعودة سعد الحريري الى السراي وحيث يبدي جعجع تفاؤلاً غير مسبوق في اعتبار ان مسألة تشكيل الحكومة لن تتعدى الايام بعد انتخاب رئيس للجمهورية.
بدون شك فان موقف سمير جعجع «عجل» وساهم في رفع حظوظ ميشال عون الرئاسية، فرئيس القوات «عرى» اللاعبين والمؤثرين في الاستحقاق على حدّ قول المصادر المقربة من القوات، وبعد الاعلان الرسمي لسعد الحريري حصلت مفاجأة وصدمة نبيه بري وتهديده بالانتقال الى المعارضة والتلويح بانتخاب سليمان فرنجية واعتباره مرشحه. فخطوة القوات ترشيح عون غيرت مجرى الاحداث في لبنان بغض النظر عن اسبابها وموجباتها، سواء كانت تختصر بمخاوف جعجع من فرص وحظوظ سابقة لسليمان فرنجية خصمه السياسي التقليدي او ترجمة لتفاهم معراب، وقد يكون الحكيم كما تقول المصادر «حكيماً» او قد يظهر خطأه لاحقاً في رؤيته لان ترشيحه لعون يقوي حظوظه قي المستقبل ويقود الحكومة الى تحقيق انتصارات في الانتخابات النيابية بدون دعم مشروط من تيار المستقبل والاشتراكي الى جانب الحليف المسيحي الجديد ولدخول الجنة الحكومية بعد طول غياب، فجعجع نجح في خياره، واذا كان ما قاله سليمان فرنجية في مقابلته التلفزيونية واقعياً بان سمير جعجع قلب مجريات الاحداث عندما وقف الى جانب عون وحثه على المضي بترشحه فان ما فعله سمير جعجع سيكون «ديناً» لدى ميشال عون سوف يسدده عون في المرحلة المقبلة برأي المصادر، فسمير جعجع هو الذي فتح ابواب القصر «وألزم» الجميع بهذا القرار فكانت تكويعة سعد الحريري ليعود ويلتزم بعون على مضض وباكراه وليد جنبلاط وكثيرين.