IMLebanon

جعجع: لا يمكن الاستهانة بالقوة السعودية.. وإيران ستصعّد على كل الجبهات

«الزيارة إلى المملكة جيدة جداً وحلف الأقليات بدعة وطهران لن تُسهّل انتخابات الرئاسة»

جعجع: لا يمكن الاستهانة بالقوة السعودية.. وإيران ستصعّد على كل الجبهات

الثبات في المواقف وعدم التسليم التدريجي بمقدرات البلد أفضل سُبل المواجهة الداخلية

يحرص رئيس حزب «القوات اللبنانية» د. سمير جعجع على أن يُقدّم رؤية استراتيجية وقراءة لما يجري في المنطقة من دون الدخول في متاهات زواريب السياسة اللبنانية. كيف لا وهو الآتي من زيارة إلى المملكة العربية السعودية أتاحت له التعرّف، عن قرب، على القيادة السعودية الجديدة، التي تقود، عبر التحالف العربي، مواجهة مفتوحة ومباشرة في وجه تمدّد النفوذ الإيراني في المنطقة ودوره السلبي في تأجيج الصراعات والأزمات. زيارة اكتسبت بعداً مهماً من خلال حفاوة الاستقبال ومستوى اللقاءات التي جرى خلالها مقاربة مختلف الملفات الإقليمية، وواقع الساحات المشتعلة، من العراق الى سوريا فاليمن، والانعكاسات المرتقبة عليها جرّاء الاتفاق النووي الإيراني – الأميركي – الغربي.

بدا جعجع واثقاً، كل الثقة، أن «اتفاق فيينا» هو اتفاق محصور بالمسألة النووية، ولا يشتمل على اتفاقات أو ملاحق سرّية، مع إيران، تتعلق بالمسائل السياسية في المنطقة وأزماتها. بالنسبة إليه، ما عاد مفيداً الحديث عمّا إذا كان من الصواب أو الخطأ توقيع اتفاق مع إيران، فالاتفاق حصل والبحث اليوم انتقل إلى انعكاساته، سواء داخل إيران أو على المنطقة.

في قراءته أن الاتفاق النووي سيؤول إلى تشدّد النظام الإيراني. فهذا النظام لا يحتمل الذهاب إلى تسويات، هو لا ينمو ولا يعيش إلا على انتصارات وهمية، وسيعمل تالياً على إظهار مخالبه وقوته وعقيدة تصدير ثورته وتحقيق انتصارات تغذي شريان حياة هذا النظام.

هذا الواقع يدفع جعجع إلى الاستنتاج بأن المنطقة ليست مقبلة على حلحلة، لا بل إن الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمّدة بعد ستة أشهر سيفتح شهية طهران إلى الانفلاش أكثر في الخارج، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في المنطقة على عكس رهانات أو توقعات البعض من أن هذا الاتفاق سيحفز طهران على الانخراط في التسويات.

الأزمة السورية باقية على حالها، لا حسم في الوقت الحاضر، إلا إذا حصل انهيار غير متوقع في النظام نتيجة الوهن الذي أصابه، لكن ذلك لا يُراهن عليه. النظام باقٍ والمعارضة باقية وتتقدّم. أما الأزمة العراقية فطويلة نظراً لما تحمله من تعقيدات قد تكون أصعب من تعقيدات الأزمة السورية. أزمة طويلة دفعت برئيس أركان الجيش الأميركي إلى توَقّع استمرارها لما بين 15 إلى 20 سنة.

غياب الحلحلة في المنطقة سينسحب على لبنان أيضاً، ولا سيما الانتخابات الرئاسية، ذلك أن ثمة قناعة راسخة لدى «سيّد معراب» بأن التعطيل هو قرار إيراني بامتياز، ذلك أن لا مصلحة إيرانية بصون الدولة لأنها ليست الضامنة لنفوذها، فبقدر ما يصيب الوهن المؤسسات والدولة بقدر ما يقوى «حزب الله»، لذا لا مصلحة لها في رئيس للجمهورية إلا إذا كان هذا الرئيس يدور في فلكها مئة في المئة، وهو أمر ليس من الممكن تحقيقه.

غير أن الاضطرابات المرشحة إلى تصاعد، على غير جبهة من حولنا، لن تنسحب إلى الداخل اللبناني وفق توقعات جعجع. يبدو مرتاحاً للوضع الأمني – العسكري، فالجيش والأجهزة الأمنية أظهروا قدرة وجدارة، ولا خوف على الحدود، إذ أن تحصينات الجيش وخط دفاعه قوية جداً، ما يجعلنا عملياً بمنأى عن الأخطار الأمنية والعسكرية.

ولعل من المفارقات، التي تلفت رئيس حزب «القوات»، انه فيما المنطقة تشتعل، يُنظّم في لبنان خلال الصيف مائة مهرجان واحتفال حسب معطيات وزير السياحة. إنها مؤشرات على مستوى الاستقرار الأمني الداخلي، الذي لا بد من الحفاظ عليه.

في المملكة لمَسَ جعجع أن هناك نفساً سعودياً جديداً، تعبّر عنه قيادة ذات دينامية متحركة. قيادة تتحرّك بسرعة لا تسرّع وتهوّر. المملكة قوة لا يستهان بها، لكنها دولة جهدت طوال سنوات لاحتواء الأزمات، واعتماد طريق الحلول السلمية. ولكن حين شعرت بالخطر، كانت «عاصفة الحزم» في اليمن، التي بدأت نتائجها تتبلور خلال الأيام الماضية عبر استعادة الشرعية اليمنية لعدن.

في الزيارة التي استُقبل فيها كضيف رفيع، وحظي باهتمام واسع في الإعلام السعودي، تعرّف جعجع على القيادة الجديدة، وتعرّفت هي بدورها عليه، زيارة يمكن وصفها «بالجيدة جداً» نظراً للحفاوة التي اتسمت بها، ولعمق المحادثات التي تخللتها.

الملف الرئاسي كان حاضراً، فشرَح جعجع وجهة نظره وقناعته بالدور الإيراني المعطل، وسمع كلاماً واضحاً من المسؤولين السعوديين أن الملف الرئاسي اللبناني هو موقف مسيحي.. «أنتم على الأرض هناك.. أنتم أدرى به وترون حيثياته أكثر منا.. دورنا دور مساند، وإذا فُتِح هذا الموضوع معنا فنحن سنعود اليكم».

في استنتاجات «الحكيم» أن المملكة يعتريها هاجس ترسيخ الدولة في لبنان تحت سقف الدستور والطائف، وأن لهذا البلد موقعاً مختلفاً ونظرة خاصة لدى القيادة السعودية، وتدعم كل ما من شأنه أن يُعيد الازدهار ويرسّخ الأمن فيه.

عرّج جعجع في لقاءاته السعودية على حواره مع العماد ميشال عون، فسمع ثناءً على كل خطوة تقارب وتفاهم من شأنها أن تريح الأجواء المسيحية وتعزز مشروع الدولة. فالكلام عمّا يسمى «حلف الأقليات» - حسب رأي جعجع - ليس سوى بدعة، ولن يتوانى عن مواجهته، ذلك أن حماية الأقليات مدخلها حماية الأكثريات التي تتعرض لحرب شرسة.

تلك القراءة الشاملة لما يدور في المنطقة، وما يعتري لبنان من عقبات أمام انتظام عمل المؤسسات الدستورية، تكررت في لقاء جعجع مع الرئيس سعد الحريري، تشعب النقاش إلى الاستحقاق الرئاسي، وإلى «تشريع الضرورة»، وإلى التعقيدات التي تواجه العمل الحكومي. في الخلاصة أن الأزمات مستمرة، وربما يُشكّل الذهاب إلى «تشريع الضرورة» خرقاً في جدار شلل المؤسسات الحاصل، لكن ذلك يتطلب الموافقة على إدراج مشروعي قانون الانتخابات واستعادة الجنسية على جدول اعمال تلك الجلسة كي تسلك طريقها.

أما العنوان الأهم والذي لم يسهب رئيس حزب «القوات» في التطرق إليه، فيتمثل بآليات المواجهة التي تفرضها تحديات المرحلة المقبلة، وإن كان يرى أن الثبات في المواقف، وعدم التسليم التدريجي بمقدرات البلاد، يُشكّل أفضل سبل المواجهة الداخلية، مع الحفاظ على «الستاتيكو» الراهن من دون المجازفة بتعريض الساحة الداخلة إلى أي خضات