Site icon IMLebanon

رسالة جعجع إلى الجبل… و«التيار» يُخمِد نارَ باسيل

 

يبدو أنّ «التيارَ الوطني الحر» يتهيّب من إمتداد نار الفتنة، بعد الحادثة الأمنية التي شهدها الجبل الأحد المنصرم، ويَعمل على إطفائها بغض النظر عن مُضرمها، وبعدها «لكل حادث حديث». وعلى الجبهة المسيحية يلاقي حزب «القوات اللبنانية» «التيار» في محاولة الحدّ من تمدّد النيران، من دون استغلال الحادثة لتسجيل هدفٍ في مرمى «التيار» في لعبة «التمريك» التي لا تنتهي بينهما. لكنّ رئيسَ «القوات» سمير جعجع يعرف كيف «لا يُؤجّج إنما من دون أن يُطفئ ما أشعله غيره». وبعد صمتٍ وجّه رسالته أمس إلى الجبل بمسيحييه ودروزه وإلى «التيار» على حد سواء.

 

لم تنحصر الخطابات النارية المتبادلة بين «التيار الوطني الحر» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» بالمنابر والمنصات الإعلامية، بل تأجّجت النيران في الجبل، وتحديداً في قرى قضاء عاليه، فامتدّت إلى الشارع وطاولت الطرفين وأحرقت تفاهماتٍ واستقراراً أمنياً كان يُعوّل عليه، وقضت على حياة مرافقي الوزير صالح الغريب وأحرقت قلوب عائلاتيهما.

 

هذه النار لن تخمد ولن يُطفِئها إلّا تحقيق شفاف يكشف حقيقة ما حصل، لكن هذا التحقيق لن يكون كافياً لمعالجة الندوب السياسية التي سببتها تلك النار. وفي حين، تشتعل مواقع التواصل الإجتماعي بالإتهامات المتبادلة عمن تسبّب بهذه الحادثة الأليمة التي هزّت البلد الواقف على شفير الهاوية، يبدو أن ما من طرف سياسي يرغب في تأجيج النار، بغض النظر عن مسبّبها وعما إذا كانت مفتعَلة أو مقصودة أو نتيجة إستهتار.

 

وعلى رغم من أنّ الواقعة العسكرية حصلت بين الفريقين الدرزيين «الاشتراكي» و»الحزب الديموقراطي اللبناني»، إلّا أنها جاءت ردة فعل على زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل إلى الجبل وعاليه. ويعتبر البعض أنّ خطاب باسيل «الإستفزازي» هو الذي أدّى إلى تأجيج الشارع «الجنبلاطي».

 

وعلى رغم من رفضه هذا المنطق، فبالنسبة إلى التيار البرتقالي، «الآن هو وقت التبريد». وبديبلوماسية تقتضيها ظروف المرحلة تغمز مصادر «التيار» من قناة «الحزب التقدمي الاشتراكي»، وتقول لـ«الجمهورية» إنّ «أيَّ خلاف سياسي مهما كان مستواه لا يُبرّر إستخدامَ العنف، فالخلاف السياسي يستدعي ردات فعل سياسية وليس ردة فعل أمنية عنفية».

 

وماذا عن معالجة تداعيات الحادثة؟ تجيب المصادر: «لا يُمكن استيعاب حادثة كهذه، خصوصاً أنّ الدماء ما زالت على الأرض، من دون معالجة الجريمة التي حصلت، إضافةً إلى المعالجات السياسية التي ستحصل في الموازاة». وتعتبر أنّ «هناك مشكلة كبيرة يجب استيعابها بين الطرفين اللذين إصطدما أمنياً. بعدها، يجب إيجاد سبل سياسية للتحاور وللتخفيف من الإحتقان». وتؤكّد «أننا لسنا في وارد القطيعة مع أيِّ طرف، وإذا كان هناك إختلاف سياسي، فهذا لا يعني أنّ هناك عدائيّةً وعداءً. بل هناك تشنّج يتطلب التواصل وعلاجه يتمّ بالحوار وليس في الشارع وبالسلاح».

 

وإذ تقول مصادر «التيار» إنّ «التحقيق يحدّد أسباب ما حصل»، توضح من دون إستهداف «الإشتراكي» مباشرةً أنّ «هذه الحادثة إذا كانت نتيجة تفلّت الشارع وخروج الأمور عن السيطرة أو مقصودة ففي الحالين نتيجتها خطيرة غير مبرّرة وتجاوزت الخط الأحمر، إذ كنا نعتبر أنّ هذه الأحداث اصبحت وراءنا ولا عودة إليها نهائياً».

 

وفي حين قرّر «التيار» إطفاء حرائق إتُهم بإشعالها، تفادياً لتمددها وفقدان قدرة السيطرة عليها، برز صمت جعجع منذ وقوع الحادثة مساء الأحد المنصرم. وأتى الموقف الأول الذي أدلى به جعجع بعد وقوع هذه الحادثة هادئاً وشدّد فيه على «المصالحة وضرورة التروي والحكمة في معالجة ما حصل».

 

وقد اتّخذ جعجع الموقف المناسب من هذه الحادثة على طريقته، فخرق احتياطاته الأمنية أمس بزيارته وعقيلته النائب ستريدا جعجع، على رأس وفد «قواتي» كبير دار طائفة الموحدين الدروز في فردان، لتقديم واجب العزاء برئيس مؤسسة «العرفان التوحيدية» الشيخ علي زين الدين.

 

وتوضح مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» أنّ هذه الزيارة تُعدّ «أكبر موقف سياسي يُمكن أن يُتخّذ، فتجاوز جعجع كل الإعتبارات الأمنية واتجاهه من معراب إلى فردان، يُشكّل رسالة مهمة إلى كلّ الجبل الدرزي-المسيحي حول عمق العلاقة التي تجمع «القوات» بالموحدين وعن العلاقة الوجدانية التي تجمع الطرفين وعن تمسّك «القوات» بمصالحة الجبل».

 

وما يدلّ على أبعاد هذه التعزية – الرسالة السياسية مدى قرب زين الدين كمرجعية دينية من «الحزب التقدمي الاشتراكي». ومن خلال هذه التعزية بعث جعجع برسالة أيضاً مفادها أنّ «القوات» موجودة في الجبل وهي إلى جانب الدروز وأنّ العلاقة المسيحية – الدرزية لم ولن تتأثر.

 

وضمن توجيهات رئيس «القوات» بالتهدئة يتفادى عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب طوني حبشي الذي رافق جعجع في هذه الزيارة توجيه اتّهامات لأيِّ طرف وحتى لباسيل، ويُشدّد على أنّ «هذه المسألة تتطلب كثيراً من الحكمة والتروي بعيداً من الخطابات النارية، فلا طرف يتحمّل أن تتفلّت الأمور بهذا الشكل». ويشير إلى «أننا كنا نتمنى، بما أنه كان معروفاً أنّ الوضع كان متأججاً على الأرض، أن تأخذ الأجهزة الأمنية الإحتياطات اللازمة لتفادي حدوث ما حصل».

 

أمّا على صعيد مصالحة الجبل فهي بالنسبة إلى «القوات» «مصالحة تاريخية فوق كلّ هذه المسائل، وقد وضع البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير أُسسها في الوضع الصعب، والجميع شارك فيها. وأيّ كلام أو موقف أو تصرّف يأتي عكس هذا المنطق التاريخي يجني على صاحبه وعلى الجبل وعلى لبنان».

 

لا شكّ في أنّ التبريد «خيار مفروض» على الجميع، إذ إنّ نار الفتنة لا توفّر أحداً، إنما ماذا بعد التبريد؟ يجيب معارضون: جولة تأجيج أخرى فـ»الشعّالة والمطفأجيي هم أنفسهم وحسب مصالحهم بولعوها أو بطفوها».