IMLebanon

جعجع: إنه النفير والنداء الأخير

 

يمكنك وانت تستمع الى خطاب رئيس حزب «القوات اللبنانية» في معراب أن تغمض عينيك للحظة، فتنتقل الى الصوت التحذيري الناعم الذي ينبئك في المطار بنداء أخير بأنك على وشك ان تفقد رحلتك، إذا ما تأخرت في الصعود الى الطائرة. إنه النداء الأخير من معراب للصعود الى رحلة الإنقاذ، التي إن تخلف أحد ركابها لداع أو لعذر أو لتعذر أو لنوايا مبيتة، فإن الرحلة لن تنطلق، والهدف لن يتحقق، لا بل أن ما سيحصل هو عكس الاهداف المعلنة في البرامج السياسية، الحافلة بالمبدئيات الصادقة، ولكن التي لا بد ان تواجه في الوقت نفسه الواقع، بترجمات عملية لا بمجرد صياغات كتابية.

 

في معراب مشهد شبه جامع، التقى فيه المعارضون السياديون، فكان حضور حزب «الكتائب» الخطوة التي لا بد منها على طريق تحسس خطر الاستمرار بالمناكفات العقيمة. وكان ايضاً حضور كتلة «تجدد» التي شغلت منذ تأسيسها موقعاً كان من الضروري ملؤه، بهذا النسيج النيابي العابر للطوائف والمناطق والقادر على أن يكون صلة وصل بين قوى المعارضة، وقد لعبت الكتلة هذا الدور في الايام الماضية، من بيت «الكتائب» الى معراب الى الحوار المتواصل مع «نواب التغيير».

 

في معراب كان الغياب الأكبر لـ»نواب التغيير». لكنه الغياب الذي لا يحتسب لأن ليس المطلوب الحضور الشخصي لهؤلاء، بل التنسيق لتحقيق الاهداف الكبرى وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي، الذي يديره «حزب الله» بغرفة عمليات واحدة وبعقل بارد لا مكان فيه للسفسطة واستباق الأولويات واستباق التوقيت المناسب لكل خطوة.

 

وفق هذه القاعدة فإن نفير جعجع الذي يفترض أن يطبق على الجميع سواسية وفي طليعتهم كتلة «القوات اللبنانية»، يستلزم استمرار الحوار توصلاً للجهوزية الرئاسية، التي تعني أن اكثر من 64 صوتاً قد توافقوا على مرشح واحد، وان هؤلاء قد تخطوا النقاش في المواصفات الى اختيار اسم لخوض معركة رئاسية لا تراجع فيها، مهما مارس «حزب الله» من ضغوط ومهما طبق من تكتيكات الفراغ التي بها أوصل العماد ميشال عون الى قصر بعبدا.

 

بهذا التوافق المفترض يمكن مواجهة مرحلة الشهرين المقبلين اللذين قد يشهدان تحديد جلسة او جلسات يتيمة من قبل الرئيس نبيه بري على طريقة الغارة المفاجئة، التي لا تترك للخصم الفرصة والوقت لترتيب البيت ولا للتعامل مع حدث مفاجئ.

 

الجهوزية التي اطلق جعجع من اجلها النفير، تعني أطرافاً محددة في مقدمها «نواب التغيير» ونواب الحزب «التقدمي الاشتراكي»، ولكل من هاتين الفئتين حساباتها المختلفة، التي تصعّب او تسهّل المهمة.

 

طوى جعجع صفحة ماضية معلناً اليأس من هذا العقم المستمر المسمى «توافق». هذا المسمى بات عنواناً لهدر الوقت وللهروب الى الامام في لعبة قاتلة عاشتها قوى 14 آذار، منذ العام 2005 والى اليوم، مروراً بكل المحطات التي شهدت التراجع الكبير أمام مشروع «حزب الله»، ومنها محطة 7 ايار واتفاق الدوحة واسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، واخيراً انتخاب العماد عون رئيساً لسنوات الجحيم. إنه الموعد مع المواجهة لأنها باتت الملاذ الاخير بعدما اخرج «حزب الله» خصومه من كل الملاذات الآمنة.

 

شهران هما الاختبار الجدي لقدرة المعارضات على توحيد الهدف وكيفية تحقيقه، والا فإن سيف الفراغ والتعطيل، وكواليس الترسيم، قد تعيد القدرة لـ»حزب الله» على إعادة طرح واحد من اثنين، باسيل او فرنجية، وعندها لا يعود للتبرير اي معنى حتى ولو كان منمقاً بأجود عبارات الأدب السياسي.