خطاب ١٤ شباط وردّ بعبدا تحت سقف القطيعة …فهل تتجدد مبادرة برّي؟
اندلعت مجددا حرب الاتهامات المتبادلة بين بيت الوسط وبعبدا في اطار سلسلة التراشق الذي ساد بينهما بعد اسبوعين من تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة.
وعكست وقائع الايام الاخيرة بعد عودة الحريري من باريس حجم الخلافات والنفور بينه وبين رئيس الجمهورية . ما يعطي انطباعا بان الحكومة الجديدة بعيدة المنال في الوقت الحاضر ما لم تحصل “صدمة ايجابية” غير محسوبة او مرصودة حتى الآن.
وما يبعث على القلق من ان يصل النزاع بين الرجلين الى قطيعة كاملة هو اللهجة والمواقف التي يطلقها كل منهما والتي توحي بوصولهما الى نقطة اللا عودة. فالرئيس عون ، الذي ينفي المطالبة بالثلث المعطل مصر على تسمية ستك وزراء مسيحيين بالاضافة الى الوزير الارمني المحسوب على حزب الطاشناق الذي ينضوي في تكتل التيار الوطني الحر . اما الرئيس الحريري فقد اعلن بلهجة حاسمة ومتشددة التمسك بحكومة الـ ١٨ وبرفض الثلث المعطل باي شكل من الاشكال.
وتقول مصادر سياسية مطلعة ان ما شهدناه في الايام القليلة الماضية تؤكد ان الصراع بين الحريري من جهة وعون وصهره جبران من جهة يتجاوز الخلاف على بعض الاسماء والحقائب او على التشكيلة الحكومية الى الخلاف على المرحلة ما بعد تشكيل الحكومة وبرنامجها ومسارها والفترة الباقية من عمر العهد.
وتلاحظ ان الحريري بعد عودته من باريس وجولته الاخيرة في الخارج اظهر في تصريحه بعد لقاء عون القصير وفي خطابه في ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري تشددا واضحا بتأكيده على لاءات ثلاث:
١- لا للثلث المعطل لاي طرف
٢- لا حكومة تضم وزراء حزبيين اوسياسيين.
٣- لا لتجاوز حكومة الـ ١٨ وزيرا، مع الاشارة هنا الى ان اللاء الثالثة يمكن ان يتم تجاوزها بالمفاوضات اذا ما توافرت النوايا الحسنة شرط ان تكون الصيغة البديلة وسيلة لتحقيق الثلث المعطل.
وتشير المصادر الى ان خطاب ١٤ شباط لم يكن تصعيديا وان اتسم بالتشدد والصلابة التي لا تتناسب مع الظروف والمناخات التي تقتضيها مهمة تشكيل الحكومة والحاجة الى تدوير الزوايا .لكنها تلاحظ في الوقت نفسه ان الايجابية في الخطاب انه تضمن موقفا صريحا بابقاء الباب مفتوحا لمواصلة الحوار والنقاش حول العديد من الامور المتصلة بالتشكيلة الحكومية لكن تحت سقف رفض الثلث المعطل.
وكان الحريري واضحا في ابداء الاستعداد للبحث مع عون في كل الامور المتعلقة بالاسماء والحقائب وتسمية وزير الداخلية خارج الثلث المعطل او تسمية اي حزبي او سياسي . ويقال ان الرئيس الفرنسي شجعه على ابداء وتظهير هذا الموقف.
وبمعنى آخر، ترى المصادر ، ان الحريري حرص على ابقاء سياسة الابواب المفتوحة مع رئيس الجمهورية ، لكنه قطع الطريق على مطلب الثلث المعطل الذي تعتبر اوساطه انه مطلب جبران باسيل من خلال بعبدا.
وفي قراءتها لخطابه تلاحظ المصادر ان الحريري بدا قويا ومتماسكا وواثقا في ما طرحه ما يوحي انه يستند في تظهير مواقفه الى اجواء جولته والمحطة الاخيرة في باريس، وانه في ذات الوقت حرص على ابدا المرونة والمسؤولية في الوقت نفسه باعلان استعداده لاعادة النظر في تفاصيل التشكيلة التي قدمها لرئيس الجمهورية شرط ان لا تتجاوز الثوابت التي حددها والتي يعتبرها عناصر اساسية لنجاح الحكومة في ان تكون فاعلة وقادرة على تحقيق الاصلاحات وتوفير الشروط لكسب الدعم العربي والدولي.
وتوقفت المصادر عند عبارته الذي قالها بثقة بان الحكومة ستشكل ، ملاحظة انها تعكس تصميما على المضي بمهمته وعدم الاعتذار ، وتعكس ايضا اقتناعه بان الظروف الداخلية والخارجية متوافرة للمضي في مسيرة تشكيل الحكومة رغم الصعوبات والمطبات والتعقيدات.
ويذهب البعض الى القول ان الحريري ربما تلقى وعودا جديدة في جولته الخارجية الاخيرة بزيادة تفعيل المساعي والتدخلات لاخراج الحكومة من عنق الزجاجة ، وعاد من باريس مطمئنا بان فرنسا ماضية ولن توقف مبادرتها بل هي مصممة على تعزيزها وتوفير كل الشروط والمناخات لنجاحها.
وفي المقابل فان رد رئاسة الجمهورية الرسمي المقتضب لم يكن تصعيديا بقدر ما كان مكملا للمواقف السابقة والمعلنة وعلى تفنيد ما ركز عليه الحريري في خصوص موضوع الثلث المعطل وخلاصة ما جرى في مفاوضات تشكيل الحكومة.
اما ردود نواب التيار الوطني الحر فجاءت في سياق الحرب الكلامية المفتوحة مع الحريري وتياره والصراع السياسي الذي اشتد بين الطرفين قبل التكليف ومع بدء عملية تشكيل الحكومة. وهو مرشح للتصعيد في نفس السياق بعد الموقف الذي سيعلنه باسيل والذي قيل انه لن يتأخر وسيكون قبل نهاية الاسبوع. وهذا الصراع المفتوح مرشح للاستمرار في ظل القطيعة القائمة بين الرجلين.
وجوابا على الاسئلة الكثيرة والكبيرة التي عززتها الاجواء الساخنة مؤخرا حول مصير المساعي والمحاولات للخروج من الازمة الحكومية ، يقول مصدر سياسي بارز ان كلا من عون والحريري محكومان بان يستمرا بالحوار والنقاش حول الحكومةمهما ارتفع الصخب والضجيج، وان ايا منهما لا يستطيع تحقيق او فرض شروطه على الآخر. لذلك فانهما غير قادرين على اقفال باب النقاش حول الحكومة عند شروط كل منهما ، لا بل يدركان ايضا انهما ليسا اللاعبين الوحيدين في لعبة الحكومة فهناك اطراف سياسية اساسية ومؤثرة اخرى معنية لحسم هذا الوضع وتأليف الحكومة باسرع وقت من اجل وقف الانهيار الذي يغرق البلد باسره.
ويرى المصدر ان لهيب التراشق السياسي والاعلامي بين بيت الوسط وبعبدا لن يحول دون استمرار وتجدد المساعي الداخلية التي تترافق مع المبادرة الفرنسية، لافتا في هذا المجال الى بيان المكتب السياسي لحركة امل امس الذي اكد في ظل الحماوة الراهنة بان مبادرة الرئيس بري ” مازالت تشكل المخرج للخروج من عقد تشكيل الحكومة والاستفادة من مبادرات الدول الصديقة”.
وتتطلع الاوساط الى كلمة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اليوم في ظل هذه الزوبعة الساخنة ، متوقعة ان يؤكد على نهج استمرار الحوار وعدم حسم المواقف المتصلبة ومكررا ومكررا الاستعداد للمساعدة في الاسراع بتشكيل الحكومة.
وترى ان الحزب ليس بوارد الخروج عن الاطار المرسوم حيال موضوع الحكومة في شأن استمرار تشجيع الاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف من خلال تدوير الزوايا لمعالجة العقد التي تحول حتى الآن دون ولادة الحكومة.