رفع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل راية المواجهة مع “منظومة سياسية مالية قائمة في البلد منذ بداية التسعينات” كما سماها. بعد كيل الإتهامات التي توجّه اليه على انه الآمر الناهي في موضوع التعيينات الادارية والمالية والمتحكم في قرار حكومة حسان دياب، أطل باسيل مقدماً توصيفه لما يجري وأسباب الاتهامات التي تساق بحقه وتياره. ومثلما يتحدثون عنه مع اغفال ذكره بالإسم رد عليهم من دون الاشارة إليهم بالإسم ايضاً.
في توصيفه لما حصل مؤخراً ربطاً بالتعيينات المالية وعودة المغتربين، يرى باسيل ان “منظومة قائمة بسياستها وأشخاصها وهي لا تريد تغيير لا السياسة ولا الأشخاص وهذه المنظومة لا تريد التعيينات بأسماء جديدة”، موضحاً: “أحد اركان المنظومة من خارج الحكومة هدّد باستقالة كتلته النيابية اذا لم يتم الإتيان بالأشخاص نفسهم المحسوبين عليه وبعد ذلك اصدر بيانات ليرفض المحاصصة! وآخرون من داخل الحكومة هدّدوا بالاستقالة منها، ملاقاةً مع من هم خارجها، اذا لم يحصلوا على حصّة وازنة وثم اصدروا موقفاً برفض المحاصصة”. والمقصود هنا الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، كل من رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ورئيس الحزب “الاشتراكي” وليد جنبلاط، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي قلل باسيل من شأن تهديده بالانسحاب من مجلس النواب.
كيف لجبران باسيل ان يقاتل على كل تلك الجبهات منفرداً وهل يمكن ان يفوز بحرب بلا سقف أو حدود تجاه الآخرين؟
كل طرف من هذه الاطراف يرى في باسيل خصماً في السياسة وكل له اعتباراته. ما كادت علاقته مع رئيس مجلس النواب تستقر بعد طول خصام حتى عادت الى سوئها. وكأن التعاطي هنا بين الطرفين على القطعة. التسوية مع الحريري ما عاد منها الا الذكرى لكلا الطرفين. هو الخصم المقارع لرئيس “تيار المردة” على حلبة رئاسة الجمهورية. اما العلاقة مع جنبلاط فكل ما فيها مر والامر ان الطرفين لم يلتقيا اصلاً في اي مرحلة من المراحل كي يفترقا. اما العلاقة مع “القوات اللبنانية” فرغم ان اتفاق معراب صار حبراً على ورق لكن الطرفين قد يلتقيان على اكثر من مصلحة يوماً ما والأصدقاء المشتركون كثر.
خلال حديثه الأخير حيّد باسيل “القوات اللبنانية” عن سهامه، صب جام انتقاداته على اطراف اربعة يجمعها استهداف التيار الذي “يصيب شبكة المصالح التي تربطهم”. يلاحظ رئيس التيار انه وفي كل مفصل من مفاصل العمل السياسي ثمة اعتراض على مواقفه بحجة انه متسلط ومحتكر، علماً أنّ تياره أمام مثل هذه الاتهامات يسارع إلى فتح الملفات من الاتصالات إلى الكهرباء، مظهراً كيف اصطدم في كل مرة بشبكة مصالح استيراد النفط والمولدات، وحين يطالب بتغيير النهج في عمل مصرف لبنان والمصارف من خلال التعيينات المالية وهيئة الرقابة على المصارف تقوم القيامة في مواجهته.
لا يريد التيار ان يكون على خلاف مع اي طرف من هذه المجموعة السياسية، هو رفض منطقهم فكان اتهامه بالاحتكار. لا يعني ذلك انه معصوم عن الخطأ، ولكنه لا يزال يتحدث عن معادلات صعبة فرضت عليه، يقول حاولنا الاصلاح وفشلنا في محطات عدة وخضنا معارك أساسية بعضها لم يسر فيها بعض شركائنا في الوطن.
لسان حال أوساط التيار “أخطأنا في مكان ما ولكن اعطينا وكانت الافضلية لمنطق العيش المشترك بدليل سلسلة التفاهمات التي انجزت. انسحب التيار او انقلب على بعض التفاهمات وآخر انقلب اصحابه عليه وابتعدوا عنه مكرهين”.
بعد السابع عشر من تشرين هناك من يرى ان باسيل لم يعد يخوض حروباً بل انتقل الى موقع دفاعي. لم يتخل عن موقعه وكيف يتخلى من يملك اكبر كتلة نيابية وهو القابض على مفاتيح الرئاسة الاولى؟ ثمة من يبرر لباسيل سلوكه وتعاطيه السياسي من باب كونه يدافع عن موقعه وحضوره ومصالحه، خصوصاً بعد محاولات شيطنته الاخيرة. تؤكد مصادر رئيس “التيار الوطني الحر” ان “التيار وبعد السابع عشر من تشرين أخضع ذاته لمراجعة نقدية واسعة، وجاءت مواجهة كورونا بالطريقة التي ظهّرها التيار لتبين أكثر، التغيير في النهج والالتزام العملي والملتصق بالناس”. خصوم “الوطني الحر” كثر لكن لا يمكن اخلاء ساحته للآخرين، يعرف هو ان قلب خصومه لن يصفو له كما ان قلبه صار عصياً على أن يصفو لخصومه بعد اليوم، لكنها السياسة حيث لا صداقة دائمة، ولا عداوة مستمرة.