IMLebanon

مَن الكذّاب؟

 

يعيد مجتهدو “العهد القوي” هذه الأيام حساباتهم، ويقلِّبون أوراقهم على الوجه والقفا، وهم يحاولون إستنباط وسائل جديدة ومبتكرة للوصول إلى هدفهم القاضي بدفع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري إلى الإعتذار، أو الإنصياع، ليحافظوا على العلامة التجارية لـ”القوة”.

 

ويعتبر المجتهدون أنّ سعيهم لم يكن مشكوراً بالقدر الكافي حتّى تاريخه. قد يصحّ العكس. وكأنّ عدّاً تنازلياً يهيمن على الضربات التي حسبوا أنّها قد تكون قاضية أو تراكم بالنقاط.

 

وقد يحتار دليل “العهد القوي” مع غياب النتائج الفورية لطلةِّ الصهر العزيز، مع أنّ الحملة ضدّ رئيس الحكومة المكلّف الذي “لا يؤتمن وحده”، إقترنت بتبنّي الحليف المدلّل للمِحور طرح الأخير لعقد مؤتمر تأسيسي، على قاعدة “أطعم الفم تستحي العين”.

 

أمّا الفيديو المسرّب عمداً من الرئيس ميشال عون ورفع السقف الى وصف الحريري بـ”الكذّاب” ونعيه أيّ أمل بتأليف الحكومة، فلم تنفع محاولات التجميل من كشفه عورات أدبية وأخلاقية، غالباً ما تسيء إلى صاحبها أكثر ممّا تسيء للمستهدف.

 

لذا، عادوا إلى الأرشيف واستعانوا بفيديو آخر من العام 1997، ليؤكّدوا بعد نظر الجنرال الرئيس ونبوءته عن إنهيارنا الحالي، التي تحقّقت بعد 22 عاماً.

 

وليس مهمّاً إن أغفل هؤلاء الأسباب الفعلية للإنهيار، وما إذا كانت بفضل كلّ ما طرأ على الساحة السياسية والإقتصادية بقوة ورقة تفاهم “مار مخايل” التي سمحت بالدخول إلى جنّة السلطة من خلال التعطيل، ومن ثمّ المشاركة في مواسم الصفقات والسمسرات.

 

كذلك، ليس مهمّاً ما إذا كانت إجتهاداتهم ستغيّر في المعادلات الحالية، لأنّهم في الحقيقة لا يستطيعون شيئاً حيالها. فهم يعلمون علم اليقين حدود قدرتهم على الحلّ والربط، فقط حيث يُسمح لهم.

 

وأصحاب الحلّ والربط حريصون على أجندتهم ومصالحهم وحساباتهم التي تقتضي هذه الأيام تجاهل الضربات الإسرائيلية المتلاحقة على بنك أهدافه في عزّ انقطاع الكهرباء الدولية. يهمّهم حالياً ما ينتظرهم مع انتقال السلطة في الولايات المتّحدة.

 

على أيّ حال، المجتهدون لا يشغلون بالهم بالقضايا الكبيرة. فهم في الأصل ملتزمون قضايا صغيرة محلية تريح أصحاب الأجندة. إلا أنّ ذلك لا يحول دون توجّسهم من تطوّر صبر الحريري وعدم تنازله حتّى تاريخه، كما تعوّدوا منه. فالرئيس المكلّف يعتبر أنّه أدّى واجبه وقدّم تشكيلة حكومة إختصاصيين، وعلى “العهد القوي” أن يقرّر مصيرها، إمّا توقيعاً أو رفضاً، لينصرف الى أدوارٍ أكثر أهمّية من زواريب تقتضيها مباراة عضّ الأصابع.

 

هنا تصبح اللعبة محرجة للعهد ومستشاريه. فالوقت لا يلعب لصالحهم. ونسبة لا يستهان بها ممّن كانوا يؤمنون بخطّ هذا العهد، يعانون من الأزمات على كافة الأصعدة. وقبل “حقوق المسيحيين”، الهمّ الأكبر هو البقاء على قيد الحياة، وتأمين الحدّ الأدنى من مستلزمات هذه الحياة.

 

فالمهدّدون بالموت من الوباء الكوروني أو البهدلة لضيق ذات اليد، لا ينقذهم تظلّم “العهد القوي” والتهويل بعودة ما يشبه زمن غازي كنعان ورستم غزالي. لذا لن يسألوا: من الكذّاب؟؟ وإنما سيردّدون لهذا العهد ولصهره المدلّل: أكذب عليك لو قلت بحبك لسه.. وأكذب عليك لو قلت نسيتك همسة.. ويطالبونه بأن يختار لهم برّاً ليرسوا عليه…