يستخلص من وقائع المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل للرد على مواقف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الأخيرة التي دحضت بالوقائع كل حملات التجني والاكاذيب التي روّج لها باسيل طوال مرحلة المشاورات مع رئيس الجمهورية ميشال عون لتشكيل الحكومة الجديدة، أن الأخير لم يستطع ان يعطل مهمة الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة المرتقبة، برغم كل أساليب ومحاولات التعطيل المتواصلة التي انتهجها منذ تسمية الحريري بأغلبية أعضاء المجلس النيابي وبينهم حلفاء تقليديون للتيار كحزب الله والطاشناق وغيرهم. بل أكثر من ذلك، لم يستطيع أيضاً ان يفرض نفسه كممر الزامي للتشاور المباشر مع الرئيس المكلف والتفاهم معه على التشكيلة الوزارية كم كان يحدث خلال تشكيل الحكومات السابقة، برغم كل ايحاءات الاستجداء والمناشدات السياسية من هنا وهناك.
فالرئيس المكلف تجاوز كل هذه المطبات والمحاولات اليائسة التي استعملت فيها كل أساليب العرقلة الممنهجة المعتادة وصولاً إلى تسريب الفيديو الفضيحة على لسان رئيس الجمهورية والذي يتهم فيه الرئيس المكلف بالكذب زوراً، كلها لم تنفع في حمل الأخير على الاعتذار عن مهمة التشكيل، وبالتالي قطع الطريق على تحقيق هدف إرغامه التخلي عن تشكيل الحكومة وترك الساحة للفريق الرئاسي خالية كما حصل إبان تشكيل الحكومة المستقيلة، وبالتالي أصبح التعاطي معه على أساس ما يطرحه أمراً واقعاً لا يمكن الغاءه أو تجاوزه، بل التعاون معه ولو كرها في سبيل تشكيل الحكومة الجديدة.
الأمر الثاني، عدم استطاعة رئيس «التيار الوطني الحر» الالتفاف على المبادرة الفرنسية بطرح صيغ ومطالب توزيرية تتجاوز هذه المبادرة، مشابهة لصيغ حكومات الوحدة الوطنية السابقة، أو تفخيخ المبادرة بتسمية مقربين منه تحت مسميات التكنوقراط والتشبث بوزارات معينة كوزارة الطاقة وغيرها، بالتزامن مع محاولات دؤوبة لكسر الإجماع المحلي والإقليمي والدولي المؤيد والداعم لتشكيل مهمة برئاسة الحريري، وكانت آخر المحاولات التي قام بها تجاه روسيا، ومطالبته علناً بمبادرة روسية لحل الأزمة في لبنان بدلاً من المبادرة الفرنسية، معللاً طلبه بأنه لا يثق بالفرنسيين ولا بالاميركيين الداعمين لهذه المبادرة، وكون روسيا تدعم الوجود المسيحي في لبنان والشرق عموماً وتحرص على حقوقهم ووجودهم. وبالطبع كان الجواب الروسي رافضاً لهذا الطرح حسب مصادر دبلوماسية رفيعة، وإعادة التأكيد على الموقف الروسي الداعم لتولي الرئيس الحريري تشكيل حكومة المهمة استناداً الى المبادرة الفرنسية، مع التشديد على الاتصالات المستمرة التي تجريها القيادة الروسية مع إيران وفرنسا لإنجاح مساعي تشكيل الحكومة الجديدة التي تأمل موسكو ان تتكلل هذه المساعي بالنجاح في وقت قريب لكي تتمكن هذه الحكومة من المباشرة سريعاً بحل الأزمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان.
الأمر الثالث، فشل استعمال آلية التعطيل المدرجة في نهج «التيار الوطني الحر» كأسلوب لتحقيق المطالب التعجيزية والأهداف السياسية، كما حصل مراراً إبان طرح توزير باسيل في وزارات الوحدة الوطنية أو الاستئثار بحصص وزارية تفوق حجم وتمثيل التيار أو كما حصل بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية لمدة تقارب الثلاث سنوات وغيرها وغيرها من الوقائع الأخرى إن كان بالتعيينات وغيرها.
فلأول مرّة تواجه آلية التعطيل العوني، برفض الانصياع لهذه الشروط والمطالب التعجيزية، برغم ما تسببه من ارباكات سياسية وتأجيج الأجواء وتأخير عملية تشكيل الحكومة العتيدة وتداعيات هذا المنهج السلبي على حل الأزمة ككل.
ولعل إشارة باسيل إلى تأثير تأخير عملية تشكيل الحكومة على تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية، تشكّل إدانة مباشرة لنهج التعطيل وتحمله مسؤولية ما يحصل.
الأمر الرابع، فشل أسلوب التلطي وراء صلاحيات رئيس الجمهورية وحقوق المسيحيين التي يحاول رئيس «التيار الوطني الحر» التسلّح بها لتبرير أساليب التعطيل المباشر وغير المباشر وطرح المطالب التعجيزية لاعاقة تشكيل الحكومة الجديدة. ويستدل من ردود الفعل الخجولة أو عدم الرد على هذه الادعاءات من القيادات المسيحية السياسية الوازنة أو من الصرح البطريركي في بكركي، برفض استغلال هذه الشعارات والمطالب لتحقيق مكاسب سياسية وحزبية خاصة كما درجت حال التيار في العديد من المناسبات، أو حتى التعليق عليها سلباً أو إيجاباً، لأنه لم يعد مجدياً اللجوء إلى هذا الاسلوب الممجوج لأهداف سياسية شعبوية محضة، في حين تبين الوقائع ان لا صحة لكل ما يدعيه باسيل بهذا الخصوص، باعتبار ان الرئيس المكلف حريص كل الحرص على حقوق المسيحيين وغيرهم من الطوائف والمذاهب اللبنانية الأخرى.
يبقى ان قول رئيس «التيار الوطني الحر» انه يقبل ما سيقبل به حليفه «حزب الله» في تشكيل الحكومة العتيدة، فيمكن تفسيره باتجاهين، الأوّل، التمهيد لقبول طرح الأمين العام لحزب الله بتشكيل حكومة من عشرين أو 22 وزيراً، أو احراج «حزب الله» برمي كرة التأليف في ملعبه بعد ان انكشفت كل أساليب ومحاولات تعطيل تشكيل الحكومة، وأصبحت مسؤولية التعطيل ملقاة بكاملها بملعب الرئاسة الأولى وفريقها السياسي، ولم تعد تنفع معها حملات التنصل والتخفي وراء شعارات طائفية أو صلاحيات رئاسية لشد عصب الجمهور المسيحي حول التيار العوني من جديد.