IMLebanon

الحريري: فليتواصل جبران مع أحمد

 

التفاؤل الضعيف الذي كان عوّل عليه البعض بعد تحرّك الإدارة الاميركية في اتجاه ايران، وعزم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على زيارة السعودية والامارات، عاد وتبدّد سريعاً.

فالاستعجال الاميركي في اتجاه اعادة فتح باب المفاوضات مع ايران، قابلته برودة لدى طهران، التي ترفض اضافة اي بنود جديدة الى النص الاساسي للاتفاق النووي، خصوصاً في ما يتعلق بالصواريخ البالستية. وبدا انّ المسؤولين الايرانيين غير مستعجلين على ترتيب الامور في هذه المرحلة، او على الاقل قبل موعد الانتخابات الرئاسية في حزيران المقبل، خصوصاً وانّ الغموض لا يزال يكتنف التسوية في سوريا. ومعه تأجّل موعد زيارة ماكرون للخليج، التي كانت تتضمن محادثات معمّقة مع المسؤولين السعوديين حول الملف الايراني، اضافة الى الملف اللبناني، وفتح الطريق امام المبادرة الفرنسية. صحيح انّ اي موعد لم يكن قد حُدّد اساساً لهذه الزيارة، لكن الاجواء كانت تؤشر الى انّها من المفترض ان تحصل قبل نهاية الشهر الجاري، وبالتالي، فإنّ افق الحل حيال الولادة الحكومية سيبقى مقفلاً، في ظل تشدّد الاطراف المعنية بعدم التراجع عن مواقفها قيد أنملة.

 

في هذا الوقت، يعمل الرئيس سعد الحريري على التحضير لجولته الخارجية الثالثة منذ تكليفه تشكيل الحكومة، على ان تشمل في شكل اساسي روسيا، التي كانت دخلت على الخط اللبناني ولو بنحو خجول، للمرة الاولى منذ امدٍ بعيد. وهنالك من يتحدث عن شمول دول اخرى في جولته الثالثة، مثل بريطانيا والمانيا. وتروي اوساط ديبلوماسية، انّ الحريري وخلال محطاته الخارجية السابقة، ناقش بإسهاب الأزمة الحكومية وقراءته لخلفياتها الحقيقية. هو على إقتناع بأنّ العِقَد المطروحة لا علاقة لها بالمهمات الإنقاذية المطلوبة من الحكومة، بل بمرحلة ما بعد رئاسة العماد ميشال عون.

 

في باريس تجدّدت العروض حول إخراج فرنسي لجمع الحريري برئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، والعمل على تدوير الزوايا بمساعدة فرنسية، لكن الحريري أسهب في شرح اسباب رفضه هذا اللقاء. هو أجاب أنّه لن يدخل في حوارات ثنائية مع اي طرف حزبي، بل فقط مع رئيس الجمهورية. واضاف، أنّه واثق من أنّ هدف باسيل من الحوار الجانبي معه هو تأمين مستقبله الرئاسي وليس البحث في تشكيلة إنقاذ اقتصادي ومالي للبلاد. وكرّر الحريري أنّ باسيل يريد تأمين وصوله الى القصر الجمهوري «وهذا ما لم افعله».

 

وروى الحريري، انّ رئيس الجمهورية ارسل له مستشاره سليم جريصاتي الذي نقل له كلاماً مفاده: «لقد اتيت الى السلطة مجدّداً انت وجبران باسيل، لذلك، فإنّ استمرارك فيها يجب ان يكون الى جانب باسيل». وكان جواب الحريري: «لقد عدت الى السلطة أنا والعماد ميشال عون من خلال التسوية الرئاسية وأخرج معه». وأبدى جريصاتي تفهمّه.

 

وتابع الحريري، على ما نُقل عنه: «لقد خضت تجارب كثيرة وبعضها كان شديد المرارة، الى درجة انني كويت اصابعي ولقد تعلّمت منها الكثير».

 

ووفق الحريري، فإنّ خلفية حيازة باسيل الثلث المعطل تصبح واضحة، وهو ما يعني انّ هذه الحكومة في هذه الحال ستبقى مشلولة ومعطّلة وهدفها رئاسة الجمهورية وليس الاصلاح، فهل البلاد قادرة على تحمّل ذلك؟

 

وقال الحريري ايضاً، انّه خلال اللقاء الاخير الذي جمعه برئيس الجمهورية، ابدى موافقته على المبادرة التي اطلقها الرئيس نبيه بري، وتقوم على اساس حكومة «الثلاث ستات»، وان يسمّي رئيس الجمهورية وزير الداخلية، على ان يوافق عليه الحريري، ويسمّي الحريري وزير العدل على ان يوافق عليه عون. ووفق الرواية نفسها، فإنّ رئيس الجمهورية رفض مبادرة بري مؤكّداً تمسّكه بالشروط التي وضعها. وتابع الحريري، انّ رئيس الجمهورية عاد وطرح موضوع التواصل مع باسيل.

 

ونقلت هذه الاوساط عن الحريري، انّ الدستور يحتّم عليه الاتفاق مع رئيس الجمهورية دون سواه لتشكيل الحكومة، وهذا ما يفعله. أما بالنسبة الى التواصل مع باسيل، فهو ليس في وارد مقاطعته، بل انّ هذا التواصل يمكن ان يحصل من خلال الأمين العام لتيار «المستقبل» احمد الحريري، كما كان حاصلاً سابقاً مع نادر الحريري.

 

في المحصّلة، بدا لهذه الاوساط انّ حسابات الخلفيات السياسية التي تتحكّم بالولادة الحكومية عصية على الحل، وانّ الاجواء الاقليمية الملبّدة لديها مصلحة في الذهاب نحو الانهيار الكامل.

 

لذلك عمل الرئيس الفرنسي على التحضير لجولته الخارجية وفق مبدأ: اعطوني فرصة اضافية وسأعمل على تليين المواقف من الخارج هذه المرة. وباتت باريس تدرك جيداً انّ فريقاً لبنانياً متحالفاً مع ايران يختبئ خلف مطالب رئيس الجمهورية. وانّه لا يخشى الذهاب الى الفوضى الشاملة لانتزاع المؤتمر التأسيسي الذي سيُقِرّ في حال انعقاده المثالثة على أنقاض وحطام جمهورية الطائف او الجمهورية الثانية.

 

فالاستنزاف المالي يتسارع خصوصاً وانّ رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب مصرّ على عدم الدعوة لأي جلسة حكومية مهما كان السبب، وهو ايضاً يرفض اتخاذ اي اجراءات تهدف الى ترشيد الإنفاق. وعلى الأرجح هو يتحاشى ان يتحمّل ردّات الفعل الشعبية الغاضبة في حال اقرار خطة ترشيد الدعم طالما انّه تمّ تطيير حكومته.

 

في هذا الوقت، يبدو هيكل الدولة آيلاً للسقوط، وثمة تقارير لسفارات غربية بدأت تبدي خشيتها من عودة الحيوية الى الشارع، مع ارتفاع احتمالات حصول مواجهات وتصاعد للعنف، بعضها قد يكون عفوياً ونتيجة الاحتقان السائد وغضب الناس من الوضع الاقتصادي والمعيشي المزري، وبعضها الآخر قد يكون مدبّراً ووفق حسابات الاستحقاق الرئاسي عبر السعي الى حرق بعض الاسماء في الشارع. ولا يستبعد هؤلاء حصول تجمعات منظمة ودفعها الى الاصطدام بالقوى الامنية والجيش اللبناني وفق الحسابات المطروحة تماماً، كما حاول البعض استغلال التحركات التي حصلت في طرابلس أخيراً.

 

هو الاستحقاق الرئاسي الذي لا يتورع البعض من خوضه ولو كان ثمنه احراق ما تبقّى من البلد. وقيل انّ الانتخابات الفرعية والتي تمّ إشباعها درساً انطلاقاً من حسابات المصلحة الشخصية لهذا المرشح الرئاسي او ذاك، تميل الترجيحات الى تجاوزها لكي لا تعطي حجة اضافية لإجراء الانتخابات النيابية السنة المقبلة، اذ أنّ معظم اركان الطبقة السياسية يريدون التمديد للمجلس النيابي الحالي، وبالتالي ان ينتخب هذا المجلس رئيساً جديداً، ووفق توازناته الحالية. وهنالك من يحسب انّه يكفي تفاهم «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» مع «حزب الله» لإيصال الرئيس المقبل.

 

لكن هذه الحسابات التي تبدو مبسّطة في جوانبها لا تلحظ انّ العواصم الغربية، ولا سيما منها الامم المتحدة، ستتخذ عقوبات قاسية وشديدة في حال تمّ تجاوز الاستحقاق النيابي وايضاً الرئاسي المقبلين.

 

والأهم، انّ موعد الارتطام لم يعد بعيداً، والاخطر انّ النتائج الاقتصادية الحادة لجائحة كورونا على المستوى العالمي ستبدأ آثارها بالظهور في الصيف المقبل. بما معناه، انّ القدرات المالية والاقتصادية للدول التي كانت ابدت استعدادها لمساعدة لبنان، ستتقلّص وسيقف معها لبنان وحيداً وسط الساحة الدولية.

 

وبسبب هذه الصورة السوداوية، ابلغ الحريري الى المسؤولين الذين التقاهم، انّه ليس في صدد الاعتذار الآن، ولكن اذا استمرت الامور على الوتيرة نفسها من المراوحة وفي موعد ليس ببعيد وعلى الأرجح بعد زيارة ماكرون للسعودية، سيعلن كل ما رافق مشوار التشكيلة الحكومية، اضافة الى الاسماء التي اقترحها، وسينهي ذلك بإعلان اعتذاره، غاسلاً يديه من كل النتائج التي ستظهر.