Site icon IMLebanon

جبران… بداية العهد و»آخرته»

 

كانت تريسي شمعون اكثر من ناجحة في ظهورها على شاشة «ام. تي. في» في برنامج تردّ فيه على أربعين سؤالا تطرحها جيسيكا عازار. كان ينقص تريسي التي تعلمت من أخطاء الماضي، بما في ذلك خطأ اسمه ميشال عون، ان تكون اكثر دقّة عندما قالت انّ جبران باسيل «جاب آخرة عهد ميشال عون». قد يكون في هذا الكلام محاولة تنمّ عن حسن ميّة في غير محلّها، للتمييز بين جبران وعهد ميشال عون، الذي هو في واقع الحال «عهد حزب الله». كلّ ما في الامر ان العبارة التي استخدمتها ابنة داني شمعون تحتاج الى مراجعة وذلك في ضوء ما كشفته الاحداث.

 

كشفت الاحداث ابتداء من السادس من شباط – فبراير 2006، تاريخ توقيع وثيقة ما مخايل بين حسن نصرالله وميشال عون،  أنّ جبران بداية عهد ميشال عون و»آخرته». هو البداية… وهو الآخرة في آن. صنع جبران باسيل العهد بعدما اقنع ميشال عون المهووس برئاسة الجمهورية ان ليس امامه سوى خط وحيد سالك هو خط «حزب الله». اكثر من ذلك، اقنع جبران باسيل ميشال عون بتوفير الغطاء المسيحي المطلوب لسلاح الحزب وارتكاباته المختلفة. هذا ما حصل بالفعل. احتاج ميشال عون الى النجاح في اجتياز اختبارات عدّة كي يستأهل تبنّي «حزب الله» ترشيحه تمهيدا لانتخابه رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الاوّل – أكتوبر 2016.

 

شملت الاختبارات، التي استمرّت عشر سنوات كاملة، تغطية حرب صيف 2006  التي انتهت بهزيمة ساحقة ماحقة للبنان. بعد ذلك، كانت مشاركة للعونيين في الاعتصام في وسط بيروت لتهجير اكبر عدد من اللبنانيين، خصوصا من المسيحيين. لم يتردّد ميشال عون، من اجل الوصول الى رئاسة الجمهورية، في القاء مسؤولية اغتيال عنصر من «حزب الله» للضابط الطيّار سامر حنّا فوق الأراضي اللبنانية على الضابط نفسه! طرح سؤالا من نوع: ما الذي يفعله طيّار عسكري لبناني في هليكوبتر عسكرية لبنانية في منطقة معيّنة من الأراضي اللبنانية؟

 

لا حاجة الى مراجعة طويلة لمواقف ميشال عون في السنوات الممتدة بين 2006 و 2016. هذه المواقف جعلت الحزب يقتنع بانّه الشخص المناسب لايصال لبنان الى ما وصل اليه من انهيار وتحويله الى دولة فاشلة. يمكن الاكتفاء بطريقة تناول الجنرال عون لجريمة اغتيال بيار امين الجميّل وكأنّها حادث سير والتحذير الوقح الذي وجّهه الى وسام الحسن بعد كشفه ميشال سماحة وتوقيفه. قال وقتذاك ان وسام الحسن اقترب من «تيّار التوتّر العالي».

 

خلاصة الامر أنّ ميشال عون خضع لاختبارات كثيرة نجح فيها كلّها. لم يخيّب يوما «حزب الله» الذي كافأه بموقع رئيس الجمهورية بعد اغلاق مجلس النوّاب سنتين ونصف سنة. كان ذلك في العام 2016 في مرحلة شهر العسل الأميركي – الإيراني اثر توقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني بين «الجمهورية الاسلاميّة» ومجموعة الخمسة زائدا واحدا (البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن زائدا ألمانيا).

 

هل الزمن الحالي شيبه بزمن 2006- 2016 الذي يسعى جبران باسيل الى استعادته؟ يبدو من خلال الكلمة التي القاها صهر رئيس الجمهورية أخيرا انّ رهانه واضح. إنّه رهان على عودة الزمن الإيراني في المنطقة، على الاصحّ على نجاح المشروع الإيراني بموافقة اميركية. ليس ما يفسّر هذا الانبطاح  لبشّار الأسد ولـ»حزب الله» والتزلّف لهما سوى هذا الرهان الباسيلي على أوهام لا أساس لها. ستبقى الأوهام اوهاما. هذا يعود الى أسباب عدّة في مقدّمها ان العالم والمنطقة تغيّرا كلّيا بين 2015 و 2021.

 

لعلّ في مقدّم ما تغيّر ان لبنان كلّه صار في مهبّ الريح وانّ ليس ما يشير الى امكان انتخاب رئيس للجمهورية بعد انتهاء ولاية ميشال عون. لن ينفع التملّق لبشّار الأسد في شيء بمقدار ما يدلّ على جهل او تجاهل مقصود بما حلّ بمسيحيي سوريا في عهد حافظ الأسد وبشّار الأسد الذي زاد عمره على نصف قرن. لا ضرورة، بالتأكيد، للحديث عن مجازر النظام السوري في لبنان، خصوصا في القرى المسيحية المعزولة في مناطق حدودية ولا بقصف الاشرفية المحاصرة ولا بمجزرة الدامور… ولا باللبنانيين الموجودين في السجون السورية منذ سنوات طويلة. تطول لائحة ما ارتكبه النظام السوري في حق لبنان واللبنانيين من كلّ المذاهب والطوائف والمناطق، خصوصا في طرابلس. هل يكفي حقد النظام السوري على سنّة المدن وعلى كلّ مدينة عربيّة كي يصبح موضع اعجاب جبران باسيل؟

 

ما حصل ان بشّار الأسد عاد الى الرهان على ايران التي اقنعته بانّ إدارة بايدن ستتعاطى معها تماما كما تعاطت إدارة باراك أوباما. اقنعته بانّه ستكون هناك صفقة أميركية – إيرانية تسمح بهيمنة «الجمهورية الإسلامية» على المنطقة وأنّ  خط السكة الحديد الإيراني سيخترق العراق وسوريا وصولا الى لبنان وبيروت تحديدا. هذا ما يتوهمّه «حزب الله» وبشّار الأسد. وهذا ما بات يعتقده ايضا جبران باسيل الذي يظنّ ان العقوبات الأميركية المفروضة عليه لن تستمرّ طويلا.

 

يحتاج الوهم الذي يؤمن به جبران الى بقاء لبنان وقبل ذلك الى بقاء سوريا تحت حكم بشّار الأسد بعدما صارت تحت خمسة احتلالات… والى ان يكون جو بايدن بمثابة باراك أوباما آخر والى زوال الاهتمام الإسرائيلي بصواريخ ايران في سوريا ولبنان.

 

مثل هذا الوهم المعشعش في رأس جبران، وفي عقل بشّار الأسد أيضا، سيبقى وهما. سيبقى كذلك في ضوء العجز عن ادراك ما الذي يعنيه ان يصبح «حزب الله» من يقرّر رئيس الجمهورية المسيحي في لبنان. الحزب اتى بميشال عون رئيسا من اجل انهاء الجمهورية وليس من اجل الاتيان برئيس جديد للجمهورية. نعم، جبران بداية العهد و»آخرته» التي يخشى ان تكون آخرة لبنان أيضا!