Site icon IMLebanon

جبران… سياسي الانبوب  

 

من اطرف ما حدث قبل ايّام في لبنان، كلام جبران باسيل عن الفيديرالية، من باب رفضه لها وتفضيله اللامركزية الموسّعة، بما في ذلك اللامركزيّة الماليّة. .لم يكن مظهر صهر رئيس الجمهورية وهو يلقي كلمته الأخيرة طبيعيا. لم يكن رئيس «التيّار الوطني الحر» طبيعيا الى درجة اثارته لموضوع الفيديرالية واللامركزيّة ومشاريع للسكة الحديد تربط بين مناطق لبنانية مختلفة.

 

يتحدّث عن هذه الامور في وقت مصير لبنان كلّه على المحكّ. يحتاج طرح الفيديرالية واللامركزيّة وشبكة القطارات الى وجود بلد اوّلا. ليس ما يضمن وجود لبنان بشكله الحالي مستقبلا. يعود ذلك الى افلاس الدولة وانهيار معظم المؤسسات من من جهة والفراغ القائم على كلّ المستويات من جهة أخرى.

 

يبدو ان جبران لم يأخذ علما بعد بما حلّ بلبنان في «عهد حزب الله» الذي على رأسه ميشال عون، اقلّه نظريا.

 

لم يأخذ علما بما يجري على الارض لا في ضوء انهيار النظام المصرفي وسرقة ودائع اللبنانيين والعرب وانهيار العملة الوطنيّة… ولا في ضوء تفجير مرفأ بيروت الذي دمّر ربع العاصمة  والحق مزيدا من الاضرار بما بقي من اقتصاد، خصوصا في مناطق مسيحية من بيروت كانت توفّر فرص عمل لعشرات آلاف الشباب الذين يعيلون عائلاتهم.

 

يبدو واضحا ان صهر رئيس الجمهورية لا يمتلك حدّا ادنى من الثقافة السياسية والحسّ الوطني اللذين يسمحان له بان يكون على تماس مع الواقع والاحداث. اخطر من ذلك كلّه، انّه لا يمتلك ما يكفي من الجرأة والشجاعة والحسّ الوطني للاعتراف بانّه شخص فاشل على كلّ صعيد وأنّه في حاجة الى ان يتعلّم. لا يجرؤ، على سبيل المثال وليس الحصر، الاعتراف بمسؤوليته عن فشله الكهربائي. لا تزال وزارة الطاقة تحت اشرافه المباشر منذ 12 عاما. كانت نتيجة ذلك ان لا كهرباء في لبنان وانّ الدين العام زاد نحو خمسين مليار دولار… بفضل إنجازات جبران باسيل.

 

من الصعب صنع سياسيين بفضل تقنية الانبوب. يوجد ما يسمّى طفل الانبوب ولا يوجد بعد سياسي الانبوب. يمكن إنجاب أطفال بفضل الانبوب وهذا ما يحصل بالفعل في مختلف انحاء العالم. لم يصل العلم بعد الى انتاج سياسي الانبوب. الامر لا يقتصر على جبران. من اجل التأكّد من ذلك، يمكن أيضا القاء نظرة على ما يدور في سوريا في ذكرى مرور عشر سنوات على الثورة الشعبيّة فيها التي اندلعت في مثل هذه الايّام من العام 2011. وصل بشّار الأسد بمحض الصدفة الى رئاسة الجمهورية. صار رئيسا لنظام، لم تكن لديه شرعيّة يوما، نتيجة مقتل شقيقه باسل في حادث سير في العام 1994. كان طبيعيا وصول سوريا الى ما وصلت اليه بعد خلافة بشّار لوالده في العام 2000 بقرار عائلي وطائفي داخلي ليس الّا.

 

بدا جبران، المعجب ببشّار وحلف الاقلّيات، في حيرة من امره خلال ظهوره الاخير. في أساس حيرته العجز عن التصالح مع الواقع والاقتناع بانّ السياسة شيء ولعبة التذاكي شيء آخر. هناك لعبة، اسمها لعبة جبران، طالت اكثر من اللزوم وانتهى مفعولها الآن. لعبة استفاد منها في نهاية المطاف «حزب الله» ومن خلفه ايران عن طريق إيصال ميشال عون الى موقع رئيس الجمهورية. وجد «حزب الله» في ميشال عون ضالته. يعرفه جيّدا والأكيد انّه درس شخصيته بكل تفاصيلها. عرف خصوصا انّه مستعد لايّ شيء من اجل الوصول الى رئاسة الجمهورية وقد لعب جبران باسيل الدور المطلوب منه في إيصال والد زوجته الى قصر بعبدا.

 

نفّذ جبران باسيل بالفعل كل المطلوب منه من اجل ان يتمكن من جعل ميشال عون رئيسا للجمهورية. وفّر كلّ الضمانات التي سبق له تقديمها الى الحزب، أي الى ايران. وصل به الامر عندما كان وزيرا للخارجية ان كان صوت «الجمهورية الاسلاميّة» في مجلس جامعة الدول العربيّة.

 

انتقل ميشال عون من حليف لصدّام حسين في 1988 و  1989 و 1990  الى لعب دور في واشنطن، التي جيء به اليها من باريس، من اجل صدور قانون محاسبة سوريا عن الكونغرس الأميركي في العام 2003 بالتعاون مع أعضاء في مجلس النواب وقتذاك. أعضاء من نوع اليوت انغل المعروف بطبيعة ارتباطاته. انتقل ميشال عون وجبران باسيل من حضن اليوت انغل الى حضن «حزب الله» ومنه… الى قصر بعبدا.

 

ليس صحيحا انّ العالم لا يمتلك ذاكرة ولا يسجّل الاحداث ولا يعرف شيئا عن الدور الذي لعبه صهر رئيس الجمهورية في خدمة «حزب الله» من اجل الوصول، بدوره، الى قصر بعبدا يوما. ما لم يعد سرّا انّ موضوع العقوبات الأميركية، بموجب قانون ماغنتسكي، ليس مرتبطا بالإدارة الأميركية السابقة وحدها، بل هو مسألة تتمتع بغطاء أوروبي أيضا.

 

ما الذي جعل جبران باسيل يبدو بهذه الركاكة والحيرة والارتباك في ظهوره الأخير واضعا نفسه في موقع المدافع عن نظريات «حزب الله» في ما يخصّ دور الجيش اللبناني وتسليحه؟

 

الجواب في اكتشافه بعد فوات الأوان انّ «حزب الله» يستطيع اخذه الى العقوبات الأميركية، لكنّه لن يستطيع ايصاله الى قصر بعبدا في يوم من الايّام. قد يكون اكتشف ذلك، لكنّه لم يكتشف الّا متأخرا انّه لم يعد امامه من خيار سوى تقديم أوراق اعتماد مرّة أخرى الى الحزب، أي الى ايران. اكتشف سياسي الانبوب، مع حصول الانهيار اللبناني، ان من السهل عقد صفقة مع «حزب الله»… الصعب في الخروج منها يوما!