لا داعي للبحث كثيراً عن حقيقة موقف “التيار الوطني الحر” من خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الأخير. تغريدة جبران باسيل الذي سارع للتعليق على الخطاب، “بتكفّي وبتوفّي”. انتظر الأخير كثيراً قبل أن يسمع حليف “تفاهم مار مخايل” يرسم خريطة طريق “انقلابية” بوجه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بعد حوالى 150 يوماً على تكليفه. وها هو يسمعها ويطرب لها، ليصيغها هو على طريقة “take it or leave it”!
قال باسيل في تغريدته: “هذا ما ينتظره التيار واللبنانيون… هذا هو المشروع المشترك الذي يمكن ان ينضمّ اليه الجميع، وهذه هي روحية وثيقة التفاهم “المطوّرة” التي يمكنها ان تنقذ البلد وتنهض به الى الأمام بالأفعال، حماية للبنان وحرباً على الفساد”. وبعد ساعات، اعتبرت الهيئة السياسية لـ”التيار” أنّ مواقف نصرالله لجهة حماية لبنان ومكافحة الفساد وبناء الدولة ووقف الانهيار المالي بمعالجة اسبابه، “فرصة جديدة لتزخيم التعاون بين التيار وحزب الله ووسيلة عمليّة لتطوير ورقة التفاهم للمضي قدماً في أي تعاون من شأنه تحقيق الأهداف الوطنية المشتركة؛ ومن شأن السير بتنفيذ هذه الخطوات ان يعيد الثقة الى اللبنانيين بدولتهم والأمل بمستقبلهم وأن يعيد الروح للتفاهم الذي نأمل حينها ان ينضم اليه جميع اللبنانيين”.
وفق العونيين، إنّ جوهر الخطاب يكمن في اعتراف “الحزب” بأنّ نهوض لبنان من كبوته التي تضربه بفعل الانهيار المالي- النقدي- الاقتصادي، لا يمكن أن يتمّ اذا لم تحصل معالجة جدية تطال الجذور لا القشور. بنظرهم، إنّ توجيه الاتهام والمسؤولية من جانب نصرالله إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ما خصّ مصير العملة الوطنية، لا يستهدف “الحاكم” فقط ولكن كل من دعم بقاءه في منصبه، والمقصود بشكل خاص، رئيس مجلس النواب نبيه بري.
يقول هؤلاء إن “مجاهرة نصرالله بأهمية التدقيق الجنائي كمدخل للإصلاح المالي ومكافحة الفساد، هو أشبه بوضع النقاط على الحروف الذي كنا ننتظره منذ أشهر وسنوات. وها هو “حزب الله” قد اقتنع أخيراً بما كنا نقوله منذ زمن، على نحو يثبت وجهة نظرنا وسلامة طرحنا وأفكارنا”. وهذا ما يعتبرونه بمثابة خريطة طريق جديدة وضعت على طاولة رئيس الحكومة المكلف المفترض التعاطي معها وفق قواعد جديدة.
اليوم، سيكون اللقاء الـ18 بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. ولكنه سيكون بالنسبة للعونيين، بمثابة لقاء أول بين الرجلين، بمعنى وكأن الحريري كلّف منذ أيام فقط ويفترض أن يلتقي رئيس الجمهورية في أول لقاء بينهما بعد التكليف. لماذا؟ لأن قواعد ما قبل كلام نصرالله، غير قواعد ما بعد ذلك الخطاب. ما يعني لا دخان أبيض منتظراً من مدخنة بعبدا اليوم.
يذهب هؤلاء إلى حدّ الإشارة إلى أن الحريري بات وحيداً أو بالأحرى “معزولاً” في ساحة التأليف: حليفه الأساسي، رئيس مجلس النواب معتصم بالصمت منذ ليل الجمعة، ما يعني أنه مؤيد لما أدلى به نصرالله، عن قناعة أو عن رغبة بعدم الاختلاف العلني مع “الحزب”. فيما رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أسقط كل مبررات الابقاء على حكومة من 18 وزيراً ورفع راية التسوية تحت أي صيغة حكومية. أما الفرنسيون الذين يتحجج الحريري بمبادرتهم لترويج حكومة الـ18 وزيراً، فقد أبلغوا المسؤولين اللبنانيين بأنّهم غير متمكسين بأي صيغة، وكلّ ما يريدونه هو حكومة تعمل على وضع الإصلاحات، بعد سقوط طرح الاختصاصيين مع اخراج مصطفى أديب من السباق.
هكذا يستنتج هؤلاء بإنّ المبادرة الفرنسية، كما يسوّق لها الحريري، انتهت، ولم يبق منها سوى جدول أعمال الحكومة. وبالتالي، أمام رئيس الحكومة المكلف طريق لا ثانية لها: حكومة تكنو سياسية قادرة على اتخاذ القرارات ومواجهة التحديات بعدما أثبتت حكومة التكنوقراط أنّها دخانية سرعان ما تتبخّر في الأوقات الصعبة. ويشيرون إلى أنّ اختباء الحريري خلف اصبع “حكومة الاختصاصيين”، بعد تخلي الفرنسيين عن هذا الطرح برمّته، دليل مثبت على أنّ الرجل لا يستطيع تأليف حكومة وجلّ ما يفعله هو “اللف والدوران”.
ولهذا، فقد أعاد نصرالله وفق العونيين وضع النقاط على حروف التأليف: حكومة موسّعة من وزراء تسميهم الأحزاب بالمباشر، من دون أن يكونوا بالضرورة شخصيات معروفة أمام الرأي العام. ويؤكدون أنّ هذا الطرح لا يعني أبداً فتح الباب أمام عودة جبران باسيل إلى الحكومة كونه يرفض العودة إلى هذه الحكومة وإلى غيرها، ولكن الأهم من ذلك هو أنّ الحريري لا يستطيع تجاوز رئيس “التيار الوطني الحر”. وها هو يضيّع على البلد 150 يوماً أضافياً من الانهيار والأكلاف، ليعود من جديد إلى مربّع جبران باسيل، كما يقول العونيون.