أثبتت المسرحية المملّة لاقتحام القاضية عون شركة مكتف المالية أن تحويل الدولة ومؤسساتها بعد تهشيمها وإضعافها، إلى آلة لتنظيم عملية الكعكة التي نضبت، باتت هي نفسها آلة للقضاء على مقومات الدولة من أساسها، وأن القانون فيها صار غلافاً لمقتضيات ممارسة السلطة بأسلوب فئوي واستئثاري، ووسيلة شعبوية للنيل من الخصوم، ولم يعد للحكم بين الناس أو للبت بشكاويهم وتحصيل حقوقهم المسلوبة…
من يديرون هذه المسرحية ويفلِتون أبطالها كي يبتدعوا خروجاً عن النص فتقودهم غرائزهم في خطوات عشوائية تدّعي العلم والمعرفة والعفة، لا يصدقون أنها تضر بالبلد وبالعهد ورجاله، الذين بات بعضهم يتبرأ من أفعال بعض فريقه أمام الديبلوماسيين وموفدي الدول، حتى لو كان هذا البعض من المتهمين بأنهم وراء التشجيع على بعض الممارسات والقرارات المضرة. همّ هؤلاء صار تجنب ورود أسمائهم على لائحة العقوبات التي يفكر بها المجتمع الدولي. والبعض الآخر من رجال العهد بات يطالب الجنرال بأن ينهي اعتراضاته على تشكيل الحكومة ويترك الرئيس المكلف سعد الحريري يؤلفها ليتحمل مسؤولية المرحلة الإنقاذية لعلها تخفف الأضرار التي تتفاقم كل يوم والتي لا ينفع التشبث بالموقف في تفادي نتائجها الكارثية.
إذا كان من أسباب اشتراط المجتمع الدولي الإصلاحات قبل أي مساعدة مالية، وكذلك الإصرار على حكومة اختصاصين غير حزبيين يتمتعون بالصدقية بلا ثلث معطل، هو غياب الثقة بقدرة أطراف السلطة على الحوكمة الرشيدة وعلى الشفافية، متى وضعت بين أيديهم مبالغ من المال لمساعدة البلد على النهوض، فماذا سيكون عليه الموقف الدولي بعد موقعة الاقتحام في مكاتب إحدى الشركات، وبعد الخطاب الهادف إلى تشتيت المسؤولية من قبل وزيرة العدل، وبعد الحملة الإعلامية الحزبية لـ”التيار الوطني الحر” لتشجيع ما حصل؟
أليس هذا سبباً إضافياً لدى المجتمع الدولي، للإصرار على حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين؟ وهل يتوهم المعنيون أن الديبلوماسيين الأجانب لا يدركون حقيقة الذي جرى ومن وراءه ومن شجع عليه، وما هي الخلفيات السياسية لوقوعه؟ وهل يعتقد بعض الحكم أنه يغيب عن هؤلاء الديبلوماسيين من الذين يتصدرون منظومة الفساد عندما يحدثهم البعض عن أولوية مكافحته فيودّعونه بهز الرأس؟
حتى حجة الحقوق الطائفية التي تستخدم لتبرير رفض صيغة الرئيس المكلف للحكومة بأنها تنتقص من حقوق المسيحيين وتصادر حق الرئيس بتسمية الوزراء المسيحيين وتتجاوز صلاحيات الموقع المسيحي الأول في السلطة، لا تنطلي على المعنيين بهذه الحقوق. البطريرك الماروني بشارة الراعي حصل رجال العهد على جوابه الرافض لهذه الحجة، وجهاً لوجه ثم قالها أمس: “نريد حكومة واحدة لكل اللبنانيين لا مجموعة حكومات في حكومة، لكل طائفة حكومتها داخل الحكومة”. واستقباله الحريري مرتين يدحض التهمة.
الزيارة المرتقبة للحريري إلى الفاتيكان واستقبال البابا فرنسيس له الخميس المقبل ألا تكفي دلالتها بأن الكرسي الرسولي لا يأخذ بحجة سلبه حقوق المسيحيين؟ كيف يفهم رجال العهد موافقة الفاتيكان على لقاء زعيم “المستقبل” بعد مضي أسبوعين على طلبه الزيارة، في خرق للبروتوكول البابوي الذي يقوم على استقبال الحبر الأعظم رؤساء الدول ورؤساء الحكومات، فيما الحريري رئيس مكلف؟ أليست الاستجابة إشارة الى أن الفاتيكان يتعاطى مع رمز للاعتدال السني والإسلامي والتعايش الإسلامي المسيحي، في وقت يدّعي رجال العهد حماية حقوق المسيحيين منه؟