يحاول جبران باسيل، صهر ميشال عون رئيس الجمهورية اللبنانية، الذي فرضت عليه عقوبات أميركية بموجب قانون ماغنتسكي المتعلّق بالفساد، انقاذ مستقبله السياسي. يعيش الرجل في الأوهام. يعتقد بكلّ بساطة انّ «حزب الله» سيصنع منه رئيسا للجمهوريّة تماما كما فعل مع ميشال عون في 2016.
لا يدرك انّ لا مستقبل سياسيا له وانّ في الإمكان صنع أطفال عن طريق الانبوب ولا يمكن، في المقابل، صنع سياسيين بهذه الطريقة.
يوجد طفل الانبوب ولا يوجد سياسي الانبوب. لن يستوعب جبران باسيل هذه المعادلة يوما في ضوء اعتقاده أنّ الناس في لبنان اغبياء. ينسى ان أكثرية اللبنانيين واكثرية المسيحيين، في الوقت الحاضر، لا تنتمي الى ما يسمّى «التيّار العوني» الذي افقر اللبنانيين وعزل لبنان عن محيطه العربي بعدما سلّم البلد نهائيا الى «حزب الله»، أي الى «الجمهوريّة الاسلاميّة» في ايران.
بعيدا عن الاخذ والردّ والتصرفات المضحكة المبكيّة للقاضية غادة عون التي هجمت على شركة للصيرفة ونقل الأموال في منطقة عوكر قرب بيروت بطريقة مخالفة كلّ القوانين والأعراف، لا يستطيع جبران باسيل الخروج من عقد عدّة تتحكّم به. في مقدّم هذه العقد عقدة اسمها سعد الحريري الذي كان أخيرا في الفاتيكان حيث استقبله البابا فرنسيس وعقد محادثات مع كبار المسؤولين في الكرسي الرسولي مثل سكرتير الدولة الكاردينال بارولان الذي هو بمثابة رئيس الوزراء.
ليس صدفة ان يستقبل البابا فرنسيس سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني المكلّف، الذي كان قبل فترة قصيرة في موسكو، وان يكتفي جبران باسيل بالذهاب الى عقد لقاء مع البطريرك الماروني بشارة الراعي. ليس اللقاء مع البطريرك سوى لقاء مفتعل، خصوصا انّ الراعي لا يستطيع رفض استقبال رئيس حزب مسيحي لبناني. لا يدرك باسيل ان البطريرك الماروني انّما يقول ما لا يقوله الفاتيكان، إن في ما يتعلّق بحياد لبنان او عقد مؤتمر دولي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في بلد دخل منذ اشهر عدّة مرحلة الانهيار الكامل. لعلّ اكثر ما لا يدركه صهر رئيس الجمهوريّة ان لدى البطريرك الماروني حدّا ادنى من الوعي السياسي الذي يسمح له بمعرفة ما هو «حزب الله» وما طبيعة العلاقة بينه وبين جبران باسيل وامثاله.
دافع صهر رئيس الجمهوريّة عن نفسه طويلا مطلقا الاتهامات يمينا ويسارا، وذلك في كلمة القاها يوم السبت غير مدرك ان الفاتيكان مهتمّ بلبنان ككلّ. مهتمّ بمسيحييه ومسلميه في الوقت ذاته. يرفض ادراك انّ خيار استقبال المسلم السنّي المعتدل سعد الحريري لم يأت من فراغ، بل يعود ذلك الى ان البابا فرنسيس يعرف تماما ما الذي على المحكّ في المنطقة ويعرف ان المسلم المعتدل افضل من المسيحي المتطرّف واقرب اليه. هناك رفض فاتيكاني لكلّ ما له علاقة بالتطرّف. اكان ذلك مسيحيا او اسلاميّا. هذا ما دفع البابا فرنسيس الى زيارة العراق في آذار – مارس الماضي بعدما تأكّد ان رئيس الوزراء الشيعي مصطفى الكاظمي يعمل مع رئيس الجمهورية برهم صالح من اجل مواجهة التطرّف بكل اشكاله. هذا التطرّف هو ما هدّد مسيحيي العراق وما زال يهدّدهم، كما انّه تطرّف يهدّد مسيحيي لبنان الذين لعب ميشال عون دورا مهمّا في تهجيرهم منذ العام 1988، لدى دخوله الى قصر بعبدا للمرّة الأولى كرئيس لحكومة مؤقتة مهمّتها محصورة بانتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس امين الجميّل الذي انتهت ولايته في أيلول – سبتمبر من تلك السنة.
لا يفهم جبران باسيل ان العالم تغيّر وان الحروب الصليبية من الماضي وانّه لا يستطيع استعادة حقوق المسيحيين بواسطة سلاح «حزب الله» الذي تحمله ميليشيا مذهبيّة عناصرها لبنانيّة، تابعة لإيران لا اكثر.
ثمّة أسئلة يتجاهلها رئيس الجمهوريّة وصهره اللذان يحاولان الظهور في مظهر البطل المسيحي المخلّص. من بين هذه الأسئلة: لماذا لا كهرباء في لبنان على الرغم من انّهما يسيطران على وزارة الطاقة منذ 12 عاما؟ اكثر من ذلك، لماذا لا يسأل جبران باسيل اين ذهبت الأموال التي صرفت على الكهرباء، التي ما زالت في عالم الغيب؟ يقدّر حجم هذه الاموال بنحو خمسين مليار دولار…
لو كان لدى جبران باسيل حدّ ادنى من الوعي السياسي، لكان تطرّق الى تهريب المخدرات الى المملكة العربيّة السعوديّة عن طريق لبنان؟ قررت المملكة وقف استيراد الخضر والفاكهة من لبنان ومنع كلّ ما يأتي من لبنان من المرور في أراضيها. هذه كارثة كبيرة على لبنان الذي يفقد شيئا فشيئا كلّ المقومات التي تجعل منه بلدا قابلا للحياة.
هناك شعور سعودي بانّ حربا تشنّ على المملكة. اغراقها بالمخدّرات جزء من هذه الحرب التي بات لبنان احدى حلقاتها. هذا الشعور السعودي صحيح مئة في المئة. ما الذي فعله لبنان الذي ينتظر تشكيل حكومة اختصاصيين منذ ستّة اشهر لتبديد هذا الشعور؟ الأكيد انّه لم يفعلْ شيئا ولن يفعلَ شيئا. ما لا يمكن تجاهله، في أي بلد عربي، انّ جبران باسيل ارتضى ان يكون صوت «الجمهوريّة الاسلاميّة» في مجلس جامعة الدول العربيّة عندما كان وزيرا للخارجيّة. يعرف العرب ذلك مثلما يعرفون انّ لبنان يعيش في ظلّ «عهد حزب الله» الذي على رأسه الثنائي ميشال عون – جبران باسيل.
هذا كلّ ما في الامر. كلّ ما هو مطلوب من «العهد» تدمير لبنان قطاعا بعد قطاع بدءا بالقطاع المصرفي وصولا الى القطاع الزراعي. مثل هذا التدمير جزء لا يتجزأ من عملية تصبّ في فرض السيطرة الايرانيّة على لبنان. هذه السيطرة التي يشكّل انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الاوّل – أكتوبر 2016 حلقة اساسيّة من حلقاتها.
في النهاية، ما الذي يمكن توقّعه من «عهد» لا يعرف معنى ان يصبح لبنان معزولا عربيّا وانّ لا همّ حقيقيا للإدارة الحاليّة في واشنطن سوى بقاء بعض المؤسسات، مثل الجيش وقوى الامن الداخلي، حيّة ترزق… في انتظار مرحلة تستطيع فيها إيلاء بعض الانتباه والاهتمام للبلد. هذه مرحلة قد تأتي وقد لا تأتي في عالم يكره التطرّف بكلّ اشكاله، بما في ذلك التطرّف المسيحي الذي يعبّر ما يسمّى «التيّار العوني» في لبنان عنه افضل تعبير. حديث رمضان