لم تعد تحذيرات البنك الدّولي ولا وفوده تجدي نفعاً، نحن نشعر أن «التايتنيك» اللبنانيّة بلغت قاع المحيط واصطدمت بأرض أعماقه ورست، لقد حذّرنا العهد طويلاً من أنّ هذا النوع من السياسات الباسيليّة التي تدّعي الذّكاء سيودي بلبنان إلى الهاوية، عملياً، نحن في الهاوية، وما نسمعه من حديث عن مبادرة أخيرة لم يعد يطعم خبزاً ولا يشبع أحداً، بل ويحظى بسخرية اللبنانيّين وتساؤلهم عن سرّ هذا التمسّك بتضييع الوقت فيما بات العالم كلّه يعرف أنّ جبران باسيل هو المتحكّم بالحكومة ومصيرها ومسارها!!
عاد جبران باسيل بالأمس إلى تذاكيه مدّعياً أن فريقه «يريد سعد الحريري رئيساً للحكومة» كأنّنا نسينا كلمة الرئيس المتلفزة للنوّاب وكاد فيها يرجوهم ألّا يسمّوا الحريري لرئاسة الحكومة لأنّه كان تحت وطأة ضغط تفجير المرفأ، أو كأنّنا نسينا مطالبته باختيار أي إسم لرئاسة الحكومة لأنّه لا يريده ولكن الضغط الفرنسي كان شديداً فاضطرّ للرضوخ، وعمل فريق العهد وعلى رأسه باسيل على عرقلة جهود تشكيل حكومة، والآن جاء دور تذاكي جبران باسيل والعهد على الرئيس نبيه برّي ومبادرته حتى لا ترمى التهمة على الرئيس وصهره ويعود الحديث عن العقوبات فجلد العقوبات على جبران باسيل لم يعد يحتمل!!
ظاهر التنازع تقاسم حصص، لكنّ الصورة في الحقيقة تدور في حلقة سيطرة الوزير جبران باسيل على المشهد السياسي برمّته، فهو يريد أكثر من وضع يده على الحكومة وإدارة البلاد بالنيابة عن عمّه الّذي أرهقته السّنون وتمهيد الأرضيّة لانتقاله من مرحلة رئيس الظلّ إلى رئيس العلن، فيما حزب الله سعيد بهذه المماطلة والمناورات، فالمفاوضات الإيرانيّة تحتاج إلى هذا الوضع القاتم والوقت الضائع ولبنان الذي يغرق بهدوء مملّ، تماماً كصورة السيدة اللبنانيّة المنشغلة بكسب وقتها في «نقر الكوسا» في انتظار طابور البنزين!!
يريد جبران أن يحوز كل الوزراء المسيحيين تسمية العهد، وكأن لا مسيحيّين في لبنان غير الذين يأتي بهم العهد المعتاد على إلغاء الآخرين، لعنة التسوية حلّت على لبنان، وصدق المثل الذي يقول «الدني وجوه وعتاب»، «التعطيل» الذي لطالما كان سمة ترافقت دائماً مع وجود الجنرال ميشال عون في السلطة منذ حملة العام 1988 إلى الحكومة العسكرية، هذا أمرٌ لا يستطيع أحد إنكاره وبالتجربة، وليس من الضروري العودة إلى القرن الماضي للحديث عن هذا التلازم بين الشخص والفراغ، فلبنان بلا حكومات منذ بدء العهد الذي حملته رياح التسوية الملعونة إلى سدّة الحكم، إلّا أنّ صهر العهد تولّى الحكم والتحكّم بالشأن الحكومي بدءاً من توزيع حصص الفرقاء اللبنانيين وتحديد أحجامهم وتولّى تعطيل تشكيل الحكومة الأولى والحكومة الثانية والحكومة الثالثة والحكومة الرّابعة، والآن الحكومة الخامسة، التعطيل سِمة العهد منذ جاء هذا العهد!!
ربّما هذه هي العودة الأخيرة للعماد إلى قصر بعبدا فكان الغرق على طريقة «أنا ومن بعدي الطوفان»!! يظنّ جبران باسيل أنّه يلعب مناورة مبادرة الرئيس برّي ومراوغته، وتوبيخه الخليليْن والحاج وفيق صفا لأنّهم «دلّعوا» سعد الحريري فأوصلوه إلى الحائط المسدود، فيما في الحقيقة لقد أوصل هذا الفريق لبنان إلى الغرق، من دون أدنى خوف من البلل!