لبنان أمام مفترق طرق تاريخي الآن، إما أن يبقى الجمهورية «اللبنانية» أو يتحوّل الى الجمهورية «الجبرانية»!
نحن أمام دولة لبنان، لكل الطوائف والأحزاب والطبقات والأطياف أو ندخل في نظام وراثي يورّث فيه الرئيس زوج ابنته لتصبح دولة تيار يقوده جبران باسيل ممثلاً جزءاً من التيار العوني الممثل لجزء من الصوت المسيحي الماروني.
نحن أمام «كل» لبنان أم جزء من المسيحيين الموارنة.
الصراع الدائر الآن الذي أصبح فيه التلاسن على المكشوف بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف يبدو أنه صراع على تفسير الصلاحيات الدستورية للرئيس ولرئيس الحكومة.
هذا ما يبدو على السطح.
ولكن منذ مؤتمر الدوحة عام 1992 أصبحت ممارسة السلطات في لبنان تعتمد على «فائض القوة».
منذ عام 1992 أصبح يحق لرئيس الجمهورية بالتوالي (اميل لحود، ميشال سليمان، ميشال عون) حصة للوزراء في الحكومة.
ومنذ مؤتمر الدوحة أصبح هناك الثلث المعطل الذي اخترعه وفرضه النظام الامني السوري.
لا بد أن نعود الى الاصل الدستوري وهو أنّ رئيس الحكومة المكلف هو صاحب الصلاحية في تشكيل حكومته.
دور رئيس الجمهورية المحدد هو بدء استشارات نيابية اشترط ان تكون «ملزمة» لتكليف رئيس الحكومة ثم عرض التشكيل الحكومي الذي يتقدم به الرئيس المكلف امام أعضاء البرلمان الـ128 عضواً.
ما هو غير ذلك هو عبث سياسي واعتداء صريح على النظام والعِرف السياسي والدستور.
لا يمكن أن يرتهن مستقبل الحياة السياسية ولا ترتهن مصائر وأوزان ملايين اللبنانيين في الداخل وفي المهجر بمشروع ذاتي شخصي يسعى الى هدف واحد وحيد وهو «تلزيم» مقعد الرئاسة اللبنانية المقبل لجبران باسيل.
لو كان جبران باسيل هو الأفضل والأجدر والأكثر قبولاً لوقفنا خلفه ومعه.
ولكن كيف يمكن الرهان على مشروع رئيس يواجه التحديات التالية:
1- عليه عقوبات مفروضة من الإدارة الاميركية.
2- غير مقبول داخل جامعة الدول العربية بسبب مواقفه السابقة ضد الامن القومي العربي حسب سجله وتصريحاته حينما كان وزيراً للخارجية.
3- عليه علامات استفهام حول مصادر ثروته.
4- فشله في تحقيق وعوده بتوفير الكهرباء 24 ساعة في اليوم حينما كان وزيراً للكهرباء.
5- صداماته مع الحريري (السنّة) وبري (الشيعة) وجنبلاط (الدروز) وسمير جعجع (الموارنة).
ذلك يطرح التساؤل كيف يمكن لمثل هذا الرجل أن يكون رئيساً «لكل اللبنانيين» وأن يكون رجل التوافق؟
6- موقف جمهور ثورة اكتوبر من قطاعات متعددة من المجتمع التي أعلنت صراحة رفضها الكامل لسياساته.
7- موقف القيادات المسيحية الناقد لجبران من البطرك الراعي والمطران عودة.
8- موقف الإدارة الفرنسية من جبران باسيل التي ترى في سياساته العنصر الأكثر سلبية والأكثر إعاقة في تشكيل حكومة الحريري.
إذن نحن أمام خيار تاريخي استراتيجي: إمّا أن يتم إنقاذ مشروع جمهورية لبنان أو ان نعيش -لا قدر الله- تحت مظلة جمهورية جبران.
كارثة الكوارث الآن هي ان مشروع الدولة ينحدر بسرعة صاروخية نحو نموذج الدولة الفاشلة.
الدولة الفاشلة ايها السادة هي تلك التي تعجز فيها السلطات عن توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الاساسية في الامن والامان والخدمات والحد الادنى من لقمة العيش.
لا يمكن أن يكون محور كل جهود الرئاسة اللبنانية منذ اكثر من عامين هو فرض جبران باسيل حتى لو ذهب لبنان واللبنانيون الى الجحيم.
وإذا كان السيّد المسيح يردد دائماً «تعرفون الحق» و»الحق يحرركم»، فإنّ ما نراه الآن يجعلنا يقول لا تعرفون الحق، والباطل يدمركم!
رحماك يا الله!