يأخذنا جبران باسيل إلى حدّ القول إنّ الدّستور اللبناني تحوّل على يديْه إلى «ممسحة»، منظّر يوم الأحد يخرج علينا ويوزع التهم على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وعلى رئيس المجلس النيابي، ويغمز من قناة ادّعاء التشبيح في تشكيل الحكومة في حالة افتراء وتطاول على الدّستور، ومن المفارقات أنّه يتمادى في اختصار كلّ الأفرقاء المسيحيين منصّباً نفسه قيّماً ووصيّاً عليهم، وكأنه لا مسيحيين قبل ميشال عون وتياره وصهره ولن يكون مسيحيّون من بعدهم، ولا يُلام في هذا إلا المسيحيّون ووحدهم سيتحمّلون أوزار التبعات التي سيلحقها الفريق العوني بهم لأنّهم تركوا الأمور تستفحل إلى هذا الحد ورضخوا لفريق منهم استقوى عليهم مرة بسلاح الجيش منذ العام 1988 عبر نظرية الجيش هو الحل، واستقوى عليهم عام 2006 بسلاح حزب الله ونظرية الرئيس القوي!!
ربّما حتى لا تذهب الأمور باتجاه تصعيد مذهبي سُنّي ـ شيعيّ يترك حزب الله الحبل على غاربه لعنتريّات جبران باسيل، لا يريد حزب الله «وجعة راس» ولكنّه لا يريد أيضاً حكومة، ونقطة على السطر، ويكفي أن يجلس حزب الله جانباً حتى تنفلت عنتريات باسيل من عقالها، شخصيّة تفتقر إلى كلّ شيء، ووافقه حظّ أنّه «صهر الرئيس»، ولأنّه كذلك يخطب ويشدّ ويقدّ مراجل سياسيّة، وفي الحقيقة هو ظاهرة صوتيّة تتمرّد هذه المرّة على حزب الله نفسه في وجه الرئيس نبيه برّي!!
ليست المرة الأولى التي يصعّد فيها جبران باسيل ويتنطّح بوقاحة للعبة إعادة لبنان إلى ما قبل الطائف متجاهلاً أنّ الطائف كلّف لبنان مئة ألف قتيل لأنّ هناك طائفة كانت تأكل حقوق الطوائف الأخرى، يريد باسيل الثلث المعطلّ ومن المؤسف أنّه لم ينتبه أبداً إلى أنّ الثلث المعطّل لم يحصل عليه حزب الله إلا بـ 7 أيار وقبلها، ويريد احتكار تسمية كلّ الوزراء المسيحيين في الحكومة وغيرها من ارتكاباته الصبيانيّة، ومن المؤسف أنّ صهر العهد جبران باسيل بلغ به «زغر العقل» حدّ الاعتقاد أنّه قادرٌ على إجراء تعديل على الدستور اللبناني وتغييره وتجاوزه، وحاله في هذا حال المثل القائل «على نفسها جنت براقش»!!
طبعاً حزب الله أعقل من أن يسلّم الثلث المعطّل لجبران باسيل، وأول من يدرك أنّ التيّار الوطني الحرّ ورئيسه جبران باسيل ليس أهلاً للثّقة وهم يعدّون للعشرة قبل تسليمه رقبة الحكومة في لحظة حرجة عنق حزب الله فيها على المحكّ.. ومن المضحك جبران باسيل الذي أسقطه اللبنانيّون في الشارع مع اندلاع ثورة 17 تشرين الأوّل 2019 فيما هو مصرّ على تجاهل أنّ الشارع اللبناني لا يريده في أي حكومة، وهذه واحدة من إنجازات ثورة 17 تشرين، لا يريد جبران باسيل الحريري من أصله رئيساً للحكومة خصوصاً وأنّه ممنوع من التوزير تحت وطأة ضغط الشارع والدّول، وإن تشكّلت حكومة فهو يريدها بشروطه وحضوره وحصصه وتوزيعاته، والحقيقة الواضحة جداً أنّ جبران باسيل لا يقدّم ولا يؤخّر والمشكلة أكبر من باسيل ومن لفّ لفّه كلّهم، لأنّ العقدة الحقيقيّة إيرانيّة، وحزب الله من مصلحته عدم تشكيل حكومة لذا يترك لجبران باسيل مهمة التعطيل!
نحن في زمن يظنّ فيه باسيل أنّه الحاكم النّاهي بقدرة عمّه، فيما هو نكرة على السياسة وتنتهي صلاحيته سياسياً مع خروج حماه من قصر بعبدا، وبفضل ذميّين أمثال باسيل يلقون بأنفسهم في ذمّة أمين عام حزب الله حسن نصرالله الذي باع لبنان ومصلحته ورماه في التهلكة سيستمرّ لبنان يدفع أثماناً باهظة لأنّه مختطف من قبل حزب الله «رهينة» مفاوضات من أجل المصلحة الإيرانية ومهما كان الثمن!