مع أنّ حسم الخيارات لا يزال مبكراً، فإنّ هناك اقتناعاً متزايداً بأنّ مرشح «حزب الله» الحقيقي لرئاسة الجمهورية سيكون النائب جبران باسيل، وأنّ «الحزب» سيدافع عن مرشحه، ويبذل كل جهد لإيصاله إلى بعبدا، تماماً كما فعل في السابق لإيصال الرئيس ميشال عون.
«الحزب» اختبر عون تماماً، واستنتج أنّه لم يرتكب أي «خطأ» معه. وهو يريد استمراره في الحكم، إذا استطاع. ولكن، إذا فرضت الاستحقاقات الدستورية والتحدّيات السياسية أن ينتهي عهده، فسيكون مناسباً إما التمديد وإما دعم انتخاب باسيل، لأنّه سيشكّل امتداداً حقيقياً لعهد عون.
واقعياً، باسيل يضطلع بدور مُهمٌّ حالياً في بعبدا، بمعزل عمّا إذا كان مُناسباً وصفُه بـ»رئيس الظلّ». وهو ينسِّق علاقاته جيداً مع «الحزب». وأما «المواقف الصادمة» التي يطلقها أحياناً، والمتعلقة بملفات أساسية كالسلاح أو النظرة إلى إسرائيل، والتي يوحي فيها بأنّه يختلف مع «الحزب»، فيعتقد كثيرون أنّها رسائل لتلميع الصورة تجاه الولايات المتحدة أو لاجتذاب الرأي العام المسيحي، ولا شيء يمنع أن يكون معظمها منسَّقاً مع «الحزب» لضرورات تكتيكية.
ويحرص باسيل على مستوى التنسيق مع «الحزب» كما عون، بل أكثر. وأساساً هو اضطلع بدور أساسي في التقارب الذي أتاح لعون أن يصبح مرشح «الحزب» المعتمد، بعدما تخلّى «الحزب» عن الحليف الماروني الآخر، المرشح الدائم، سليمان فرنجية ووعدَه بأنّه «قادر على الانتظار والمستقبل أمامه». وكذلك، أقنع «الحزب» شريكه في «الثنائي» الرئيس نبيه بري بدعم خيار عون.
اليوم، يَطمئنُّ باسيل، كما اطمأن عون يومذاك، إلى أنّ «الحزب» سيدعمه، لأنّه لن يحصل على أي تغطية مسيحية أوسع من تلك التي يوفّرها له «التيار». وعلى هذا الأساس، هو يخوض مواجهاته ويصعِّد في كل الاتجاهات، حتى مع الرئيس نبيه بري، ويثق في أنّه مدعوم مَهْما حصل. وعلى هذا الأساس أعلن باسيل الاحتكام إلى الأمين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصرالله (شخصياً) في مواجهاته السياسية الأخيرة.
إذا بقيت معادلات القوة داخلياً كما هي اليوم، فلن يكون مستغرباً استمرار «الحالة العونيّة» في بعبدا، إما تمديداً لعون شخصياً وإما «تمديداً» عبر باسيل. وسوى ذلك، لا شيء سوى الفراغ الشامل الذي يمكن أن يبدأ بتعطيل الانتخابات النيابية، ومعه تتعطّل تلقائياً انتخابات رئاسة الجمهورية. وفي حال إصدار فتاوى تُمدِّد للمجلس اضطرارياً من أجل ضمان استمرار المؤسسة، ستكون هناك فتاوى مماثلة تقول ببقاء الرئيس في بعبدا تحت العنوان إيّاه.
هل يَضْمَن باسيل بلوغ موقع الرئاسة، لمجرَّد أن يكون مرشح «حزب الله»؟
العالمون يرجِّحون ذلك. ويقول خصوم باسيل: إنّه، كما عون، مستعدّ لفعل أي شيء من أجل الوصول إلى الرئاسة. ولكن لا أحد يضمن من سيكون الأقوى في لبنان بعد عام. وحتى داخل الصف السياسي الواحد، السوري- الإيراني، هناك منافسون لباسيل أبرزهم سليمان فرنجية الذي يمثّل- تقليدياً- التحالف مع نظام الرئيس بشّار الأسد. ولكن، هذا لا يعني أنّ دمشق نفسها بعيدة عن باسيل. فالاتصالات معه لم تنقطع يوماً.
إذا أدّت التحوُّلات الإقليمية إلى خلط أوراق في لبنان، فإنّها لن تكتفي بفرض مواصفاتٍ أخرى لرئيس الجمهورية بل ستفرض أسُساً وخياراتٍ جديدة للجمهورية برمّتها. وهذا احتمال وارد. وفي تجارب نصف قرن مضى، غالباً ما جاء الاستحقاق الرئاسي مواكباً لانتقال البلد من مرحلة إلى أخرى:
في 1982، اهتزَّت الجمهورية الأولى بانتخاب الرئيس بشير الجميل ثم الرئيس أمين الجميل وحرب الجبل. وفي 1988، سقطت هذه الجمهورية. وبين 1989 و2005 عاشت جمهورية الطائف السوري ثم سقطت. واليوم، يبدو المخاضُ عنيفاً والمرحلةُ انتقالية. فأي جمهورية ستولد في نهايته، ومَن سيكون رئيسُها؟
على الشاشة، واضح أنّ باسيل وفرنجية يتنافسان جدّياً، ولكل منهما نقاط القوة والضعف. ولكن، هناك حظوظ لمرشحين آخرين، سواء من الطاقم السياسي أو من المؤسسة العسكرية. وصحيح أنّ هناك قوى قادرة على طرح الأسماء، ولكن، في المقابل، هناك قوى أخرى قادرة على ممارسة «الفيتو».
وفي هذه الحال، سيكون التوافق خياراً حتمياً. ولذلك، ولو كان باسيل يحظى بدعم «حزب الله»، فليس مضموناً أن تنضج أمامه الظروف نفسها التي أتاحت وصول عون إلى بعبدا، خصوصاً إذا كان اسمه موضوعاً على لائحة العقوبات الأميركية والأوروبية.
سيكون اختيار الرئيس المقبل مرهوناً بالتوافقات التي ستنشأ بين القوى الإقليمية والدولية على الحلّ في لبنان، وبالتفاهمات على تقاسم النفوذ. وبعد الطائف، غالباً ما وقعت «القُرعة» في التسويات على شخصيات مارونية من خارج الصف القيادي أو من داخل الصف العسكري.
فمَن سيكون التالي بعد عون: أحد مرشحي الواجهة، أم مفاجأة، أم تتجّه الجمهورية والرئاسة إلى المجهول؟