IMLebanon

بين المطمر والمعبر

 

 

في حين كان الصهر الغالي يتذاكى ويخلط الأوراق وينتشي وينتعش ويتشاطر وهو يدور حول جثة الوطن، وكأنه يحذر اللبنانيين من أن الاستمرار في الاشمئزاز منه سيجر عليهم وبالاً لم يعرفوا له مثيلاً، كان لبنان يتأرجح بين إقفالين يعكسان تمرداً لفئات من الناس كفروا بكل ما يحول دونهم ودون لقمة عيشهم.

 

فقد أقفل مطمر الجديدة، بسبب غياب الأمن وعجزه عن ردع أشخاص يبحثون عن الحديد والألومنيوم ومواد أخرى يمكن بيعها والاستفادة منها. وبأعداد كبيرة تصل إلى المئات، ويعتدون على العمال وعلى كل من يعيق سعيهم إلى الإسترزاق.

 

كذلك كان مهربون “مغبونون”، يتظاهرون ويقفلون معبر المصنع بعد قرار مديرية الجمارك في البقاع منع عبور الآليات والسيارات اللبنانية عبر المعبر باتجاه الأراضي السورية، باستثناء التي تحصل على دفتر “مرور ومكث” غير متوفر في الأساس لنقص في القرطاسية، ويعلنون إحتجاجهم على التمييز الذي يقطع رزقهم ويسمح لسيارات محازبي “حزب الله” والنافذين السياسيين المحسوبين على النظام السوري، بالعبور من دون دفتر أو حتى عملية تفتيش روتينية.

 

وبين المطمر والمعبر، كلّ شيءٍ ينهار. لا طعام ولا مدرسة ولا مستشفى ولا كهرباء ولا وقود… وقريباً لا انترنت. العيش اليومي جحيم فعلي. وهذا الجحيم ألغى هيبة مؤسسات الدولة وفعاليتها، وتحديداً لم يعد لهيبة القوى الأمنية أي اعتبار.

 

في الأساس، هناك من عمل على ضرب هذه الهيبة لمصالحه الخاصة. فالصهر الغالي يعتبر أن إزاحة أي منافس له على كرسي بعبدا واجب مقدس. فكيف إذا كان “البعبع” قائد الجيش الذي يحظى هذه الأيام برعاية دولية ليتمكن من لجم الإنهيار وتأمين الحد الأدنى من الأمن الاجتماعي، وذلك عبر مساعدات تحول دون جوع جنوده.

 

وفي الأساس الأبعد والأعمق والأفعل، لا ننسى درة تاج المحور الداعمة للصهر والسعيدة على ما يبدو بأطواره وأدواره. فهي لا تعترف في الأصل بوجود جيش وقوى أمن داخلي وجمارك وما إلى ذلك من أجهزة تتولى الدفاع عن البلاد وتلغي دورها العسكري المستفحل، او تسلبها حجة أمنها الخاص المنفصل عن الدولة وحيازتها السلاح لتحمي مصالحها في تأمين مصادر التمويل، إن عبر تجارة المخدرات أو التهريب او الاقتصاد البديل الذي ساهم بالقضاء على الاقتصاد الأصيل.

 

وإزاء هذا الواقع، لم يجد الجائعون والعاطلون عن العمل بدّاً من التصرف وفق طرقهم الخاصة المرشحة للتطوير، لأن دولتهم لم تقم بواجباتها. فالوظائف شحيحة، والرواتب ضئيلة، والانضمام للعصابات سيكون الخيار الوحيد لهؤلاء.

 

ومن يتمرد على الدولة تجنباً للفقر والجوع، حاضر ليتمرد على القوى الرديفة ويكسر حاجز الخوف. وكما واجه الدولة، هو حاضر ليواجه درة المحور ليبقى ويستمر. همه الحصول على وسيلة تلبي حاجة أولاده إلى رغيف الخبز والدواء والحليب. ولم يعد لديه إلا الإستشراس بعدما وصل إلى الرمق الأخير من القدرة على التحمل.

 

فإذا غابت الروح الوطنية عن قاموس أهل المنظومة وناظمهم، بالطبع لن تجد لها مكاناً بين فقراء المطمر والمعمر، ليتم استبدالها بـ”يا رب نفسي” حتى لو استدعى ذلك الخروج من الوطن إلى “حارة كل من يده له”.