Site icon IMLebanon

قبل أن تقضي الطموحات السلطوية على وجود الوطن

 

أين كنا؟ وأين أصبحنا، وإلى أين المسار والمصير؟

 

وسط كل هذا الانهيار الجهنّمي القائم والمتفاقم، يتابع لبنان المنكوب، الغوص الدراماتيكي في مهاوي الإنحلال والزوال وسط تساؤلات محلية وإقليمية ودولية عن ذلك الإصرار العهدوي على اختلاق الذرائع والمتاهات للإبقاء على الوضع اللبناني الحاكم، دون حكومة ولو بحدود إصلاحية دنيا، تمكّن من الإفساح في مجالات الإنقاذ الإقتصادي والترميم البنيوي لبلد سرقته الطغمة المتحكّمة، ونهبته العصابات الممسكة بخيوط النصب والإحتيال واستفحلت فيه عمليات النسف والهدم والتدمير العشوائي، لغايات في نفس يعاقبة الداخل والخارج، وسط ذلك كله نتساءل: مع مرور كل هذه السنوات من عمر العهد الذي لم يبق منه إلاّ ما يناهز العام الواحد، ما هي الحصيلة التي جناها البلد من كل تلك السنوات العجاف التي مرّت، دون أن تؤدي إلاّ إلى وقائع وأرقاما سلبية لم يسبق للبنان أن وصل إلى مهاويها الجهنّمية في أي عهد أو مرحلة سابقة من عمر لبنان، مع التحفظ الكامل لجهة التصرفات والممارسات السابقة والمتمثلة بأعمال الفساد ونهب المال العام، إضافة إلى مواقع الإهمال والتغاضي التي رافقت جملة من المراحل التي مرت، وتجلّت بجملة من الممارسات التي تمثّلت في بعض المجالات، بما فيها وضعية وزارة الطاقة بكل ما طاولها ونتج عنها، الأمر الذي تناولته بعض وسائل الإعلام المرئية بكثير من التفاصيل والإثباتات الصوتية والمستندية، التي تم تجاهلها من ذوي الشأن وبقيت دون أي  جواب أو تعليق!

 

وبما أن الأوضاع الداخلية تحفل في هذه الأيام المتسارعة في وصولها إلى مرحلة إنتخابية حسّاسة، سواء على مستوى الإنتخابات النيابية أم على مستوى الإنتخابات الرئاسية التي تفاقمت جهودها إلى حدود باتت تستغل لإطفاء جذوة الجهود الآيلة إلى تأليف حكومة إنقاذية جديدة إنطلاقا من أسس تحوز على حد أدنى من السلامة والنظافة والشفافية، لتحل محلها تلميحات إلى إمكانية تحويل التأليف إلى حكومة إنتخابية تتولى مسؤولية الإنتقال إلى مرحلة جديدة، قد تحمل إلى سدة البرلمان تحولات نيابية وعناصر قيادية جديدة، الأمر الذي تركّز عليه القوات اللبنانية خاصة، إضافة إلى عناصر قيادية مستجدة تسعى إلى إحلال سمة ثورية الطابع في مجالات التمثيل النيابي في السلطة اللبنانية. وهناك توقعات واحتمالات أخرى ذات طابع سلبي قد تؤدي إلى إلغاء الإنتخابات المقبلة إذا لم تؤدي إلى تحقيق المساعي والطموحات التي يسعى إليها البعض للوصول إلى السدّة الرئاسية،خاصة تلك الطموحات المرتبطة بالوزير باسيل والمتشبثة بالفرصة المتاحة من خلال العهد القوي القائم، لفرض واقع جديد ونظام جديد يقلب الأمور لصالح مفتعل لرئاسة الجمهورية بما ينسف المراكز الأساسية لاتفاق الطائف، رئاسة لطالما جرى الإعلان عنها والتخطيط لتحقيقها. مع الإشارة إلى تنافس رئاسي محتمل الحصول وفي طليعته رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وزعيم تيار المردة سليمان فرنجية، دون أن نغفل جملة واسعة من الطموحين للرئاسة من صفوف الدرجة الثانية التي يرجح بعض المطلعين ولأسباب عملانية قائمة، أن يكون الرئيس المقبل واحدا منهم. مع الأخذ بعين التوقع والإعتبار إمكانية قد تفرضها الظروف الإقليمية وأية نتائج سلبية للمقاربات الأميركية-الإيرانية التي تدور حاليا في موازاة المفاوضات الأميركية –الأوروبية وتوابعها في أكثر من موقع على مستوى العالم بأسره بما فيه مواقع الشرق الأوسط، ومن بينها لبنان.

 

ولا بد لنا أن نذكر أنه في مناسبة عامة حصلت قبل يومين، أشارة إلى وجوبية تغيير نظام الطائف واعتماد نظام جديد؟! وألقت مسؤوليات الأوضاع السائبة والمتفاقمة بقساوتها وفوضويتها وأثرها المريع على التآمر الأميركي، خاصة ما تعلق منها بالبطالة المتزايدة والجوع المستفحل، والإذلال المتفاقم من خلال طوابير السيارات المرابطة حول محطات المحروقات وجهود المواطنين المندفعة للحصول على الدواء والمواد الغذائية المختلفة بحدودها الدنيا التي تقي الناس وأطفالهم من شرور الجوع المفرط… كل هذه الأوضاع بالغة السلبية والخطورة تم التنصل منها بالكامل وألقيت مسؤوليتها بغالبها الكاسح على الولايات المتحدة وتوابعها، وهنا لا بد لنا من التساؤل: هل هذه الجهات هي التي تمنع «العهد القوي» من تشكيل حكومة طائلة وقادرة تلملم الأوضاع السيئة والإنهيارات الحياتية الجهنمية، ولا بد لنا من أن نتساءل لماذا لم يتم تشكيل هذه الحكومة التي توفرت لها رعاية فرنسية وأوروبية وعربية ومساندة أساسية من صندوق النقد الدولي، ألم يكن بإمكان «العهد القوي»، تجنب كل أو معظم سلبيات الوضع المتدهور القائم والمندفع قدما نحو مهاوي جهنم الحقيقية، من خلال الإفراج عن تأليف الحكومة والتخلي عن طروحات طائفية تجاوزها الزمن، وكأنما المقصود بها نسف أية إمكانية لنهوض هذا البلد المتداعي والمنكوب من نار جهنم التي أججت بفعل فاعل في مجالات الحياة الكريمة التي أزيلت من الوجود.

 

وعليه، ما شأن الخارج بالطموحات السلطوية والرئاسية التي غرست في توجهات وقناعات رئيس التيار الوطني الحر، وباتت كل التصرفات والإنتهاكات والمواقف السلبية متاحة بما يمكن أن يؤدي إلى تحقيقها؟، ومواقف الرئيس نبيه بري التوفيقية ومبادراته الإنقاذية خاصة في ما تعلق بالشأن الحكومي، تصرّفٌ مشكور ومبارك وغير مستغرب على طبيعة الرئيس بري وحقيقته الوطنية الحريصة على سلامة هذا البلد من أخطارٍ محدقة تتفاقم في حياته ومصيره مع كل يوم ضائع، وها نحن بالتالي، نسير قدما في خطى بائسة وخطيرة باتجاه مستقبل بالغ الظلمة والإنحلال والتدهور.

 

معظم الحل كان متوفرا في تأليف حكومة إنقاذية لم تقع على مزاج وطموحات ومخططات باتت في غاية البعد عن التحقيق.

 

عسى أن يبقى الوطن قبل أن تقضي عليه، إستفحالات الطموحات السيريالية.