خلال برنامج «صار الوقت» سأل الإعلامي مارسيل غانم وزير الداخلية والبلديّات في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، القاضي بسّام مولوي: «هل زرت النائب جبران باسيل قبل أن تُصبح وزيراً؟»، بمعنى «هل أخذت رضاه؟». فأجاب مولوي معترفاً: «نعم زرته بعد أنْ طلب مني رئيس الجمهورية ذلك وسألت الرئيس نجيب ميقاتي إن كان يُحبّذ زيارتي لباسيل فنصحني بالذهاب». هذا الاعتراف جاء ليؤكّد إنّها فعلاً حكومة جبران باسيل، وأنّه من وضع اللمسات الاخيرة والحاسمة على تشكيلة ميقاتي قبل أن يحملها الأخير إلى قصر بعبدا لتذييلها بتوقيع رئيس الجمهورية ميشال عون.
اعتراف الوزير مولوي يفضح جملةً من التجاوزات الدستوريّة الخطيرة التي أقدم عليها رئيس الجمهورية، ومن خلفه صهره النائب جبران باسيل، الذي يتعاطى مع الدستور ويطبّقه بشكل استنسابيّ في محاولة للانقلاب على اتفاق الطائف واستعادة «حقوق المسيحيّين» وتتويجها بالوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية، وعاونه على ذلك رئيس مجلس الوزراء الذي كان يبكي صلاحيات الرئاسة الثالثة المهدورة.
بدايةً لا يوجد أي نصّ دستوري يُجيز لرئيس الجمهوريّة أن يُلزم الشخصيات المرشّحة لدخول الحكومة بأخذ موافقته بعد إجراء «مقابلة» معه، تحت طائلة رفض ترشيحهم، وهذه الخطوة هي محاولة بائسة لإيهام مناصري وجمهور «العهد القوي» بأن الرئيس له سلطة ودور أساسي في تأليف الحكومة، خلافاً للدستور الذي يحدد خيارات رئيس الجمهوريّة فيما خصّ مسوّدة التشكيلة الحكومية الجديدة المُقدّمة اليه، فإمّا يوافق عليها أو يطلب تعديلها أو يرفضها كلّياً بحسب توافق تلك التشكيلة مع المقتضيات الدستورية، خصوصاً لجهة ما تنصّ عليه مقدمة الدستور والمادة ٩٥ منه، سواء لجهة توازن التشكيلة الحكومية بين الطوائف والمناطق ومكوناتها السياسية أو لجهة مراعاتها لميثاق العيش المشترك، وليس حسب اهواء رئيس الجمهوريّة وطواعيّة الوزراء المرشّحين وتجاوبهم خلال «المقابلة» مع رئيس الجمهوريّة.
والأخطر من ذلك أن يفرض رئيس الجمهوريّة على الشخصيات المرشّحة لدخول الحكومة، وخصوصاً المرشّحين من الطائفة السنّية، أن «يٌقابلوا» جبران باسيل بهدف «التعارف» ونيْل موافقته قبل قبول ترشيحهم، لأن ذلك يشكّل مخالفة دستوريّة فاضحة تتمثّل بتفويض جبران باسيل ليقوم بمهام رئيس الجمهوريّة لجهة التشاور والتعاطي مع الفرقاء السياسيّين ووضع اللمسات الاخيرة والحاسمة على التشكيلة الحكوميّة قبل تذييلها بتوقيع رئيس البلاد. وبذلك تكون خطوة رئيس الجمهوريّة وجبران باسيل من خلفه سابقة خطيرة ووقحة بحقّ الطائفة السنّية لما تمثّله من انتقاص من كرامة موقع رئاسة الحكومة وتطويق صلاحيّاته وسطو مفضوح على سلطته بهدف الهيمنة على القرار الحكومي بذريعة «استعادة حقوق المسيحيّين التي سلبتها السنّية السياسيّة»، وصولاً الى إخراج الطائفة السنّية من الساحة السياسية.
وليس مستغرباً أن يقوم «العهد القوي» المُتهالك بمثل هذه الأفعال وأكثر، إنّما المستهجن والمرفوض أن يسمح الرئيس نجيب ميقاتي بمثل هذه المقابلات المهينة بعد أن أقنع نادي رؤساء الحكومات السابقين والمرجعيات السنّية بأنّه ملتزم السّقف الذي سيّجه النادي حول موقع رئاسة الحكومة وصلاحيّاته الدستوريّة، وأنّه لن يقدّم تنازلاتٍ تتعدّى هذا السّقف، ولكنّه بالنتيجة فعلها في سبيل العودة الى رئاسة الحكومة، ويكون بذلك المسؤول الأوّل عن إهانة وهدر كرامة التمثيل السنّي في حكومته، وكرامة الطائفة السنّية على وجه العموم، وتتحمّل معه المرجعيّات السنّية المتقاعسة مسؤوليّة ما حصل، وما قد يحصل مستقبلاً بسبب التراخي و«الاعتدال والانفتاح» المُفرطين تجاه الآخرين.
ويبقى السؤال الأساس: هل بين «الغيارى» على الطائفة السنّية من يجرؤ على الوقوف سداً منيعاً بوجه المحاولات المفضوحة لإخراج الطائفة تدريجياً وفعلياً من الساحة السياسية اللبنانيّة؟