إكتمل “كمين الثنائيّ” بـ”السيرك الباسيليّ”
لا تزال البلاد تعيش صدمة ما حصل في 14 تشرين وسط ترقّب التصعيد السياسي المستمر، والذي يهدف بحسب أجندة “حزب الله” إلى “قبع” المحقق العدلي في جريمة إنفجار المرفأ القاضي طارق البيطار.
كلّما ابتعد الحدث زمنياً كلّما تكشّف هول ما حصل، فأهالي عين الرمانة وفرن الشباك الذين تعرضوا لمحاولة إجتياح مسلّح فوضوي كانوا في قرارة أنفسهم يدافعون عمّا تبقّى من دولة وليس عن أي فريق سياسي.
ويتّفق من تابع الوضع عن كثب على أن صورة الدولة تلاشت، وأن جحافل المسلحين الذين أطلقوا النار باتجاه عين الرمانة وفرن الشباك كانت كفيلة بالقول للمواطنين ان الدولة غير قادرة على لجم قوى الأمر الواقع.
في العام 1973، وبعد الإشتباكات المسلّحة التي حصلت بين الجيش اللبناني ومنظمة “التحرير الفلسطينية” التي حاولت ضرب الدولة وإنشاء الوطن البديل مستفيدةً من دعم داخلي وخارجي، وبعد أن تعاطف الشارع السني وأغلبية الشارع الإسلامي مع الفلسطيني في مواجهة إبن بلده، إجتمع رئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية بالرئيس كميل شمعون ورئيس حزب الكتائب بيار الجميل وقال لهما: “يجب علينا الإتكال على أنفسنا فلم يعد لدينا دولة”. وبالفعل، بعد تلك الإشتباكات تعطّل قرار الجيش ودخلت البلاد في المجهول، وأُجبر الشباب المسيحي على الإلتحاق بمخيمات التدريب دفاعاً عن الوجود والكرامة والوطن.
اليوم، يتكرّر نفس المشهد مع فارق جوهري، أن الشباب المسيحي ومعظم اللبنانيين هم مع خيار الدولة وبناء المؤسسات.
بالأمس، وقف الشارع المسيحي ينظر إلى شباب عين الرمانة وأهلها الطيبين الأحرار، وكل البيئات، وكل الطوائف، سيتكسّر على أعتاب عين الرمانة مثلما تكسّرت بقية المشاريع الخارجية، والمسألة هنا ليست بكبرها أو صغرها بل برمزيتها، وقد لاقى ذاك المشهد المسلّح ومحاولة الإجتياح تحت عنوان الهتافات المذهبية إحتجاجاً لبنانياً عارماً، لا سيّما بعدما تكشّف زيف اختراع هؤلاء “الفنّاصين” لـ “القنّاصين” المزعومين.
وبانتظار معرفة نتائج التحقيق، فإن “التيار الوطني الحرّ” حاول الإستثمار في ما حصل وقلب الحقائق، فأهالي عين الرمانة وفرن الشباك كانوا يتعرضون للرصاص الذي انهمر بغزارة وللقذائف قبل أن يتدخل الجيش اللبناني لوقف الإعتداءات، وحده “التيار” كان يرى المشهد معاكساً وهو اعتداء وكمين بحق حليفه وحليف حليفه.
هذا الأمر دفع بالأهالي والمراقبين والحياديين إلى الجزم بأنه مهما حصل فإن “التيار” في المكان الآخر ضدّ الشارع المسيحي ومشروع الدولة، وهو يفعل كل ما بوسعه لاسترضاء القيمين على “الدويلة”.
رئيس “التيار” النائب جبران باسيل يتحدّث عن كمين، وبعض كوادره “البهلوانيين” يقولون إن شباب “القوات” هم من اخترقوا التظاهرة ووجهوها باتجاه عين الرمانة وهتفوا “شيعة شيعة”، ليكتمل “سيرك الكمين” بـ “الاستعراض الباسيلي” المُبين. كل هذه المحاولات لحرف الأنظار لم تمرّ على الأهالي، إلى أن أتى الردّ الصاعق من قبل وزير الدفاع الوطني موريس سليم الذي سمّاه باسيل عبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزيراً للدفاع، إذ اكّد سليم وجزم: “نعم هناك تظاهرة خرجت من الضاحية وحاولت الدخول إلى عين الرمانة وحصل الصدام هناك”.
كان كلام سليم كفيلاً بإثبات الشكّ باليقين، في وقت أعلنت قيادة الجيش في بيان رسمي أنها تابعت الفيديو الذي انتشر عن إطلاق جندي النار على المحتجين في الطيونة وأن الجندي موقوف ويخضع للتحقيق، وبالتالي فإن كل رواية الكمين التي نشرها “حزب الله” و”أمل” ويسوّقها “التيار” نسفها وزير الدفاع والجيش وأن ما حصل كان أقرب إلى فوضى مسلحة ينبغي معها تحديد ظروف مقتل الذين سقطوا فيها من خلال التحقيق الذي يتولاه الجيش اللبناني.
وأمام كل هذا المشهد، فإن “التيار الوطني الحرّ” هو الخاسر الأكبر والمُحرج الأكبر، فهو كان يلعب سابقاً على نغمة حاجز البربارة، وإذ ببعض الناس حتى من جمهوره، وقبل رفع الدعم، طالبوا بعودة مثل هكذا حاجز ووضعه على الحدود لأن كل المواد المدعومة من جيوب الشعب تذهب إلى سوريا ويُحرم منها الشعب.
واليوم فإن باسيل وتياره يحاولان الهجوم على “القوات اللبنانية” من باب تذكير الناس بأيام الحرب السوداء من أجل الكسب الإنتخابي، وإذ بالشارع المسيحي واللبناني “الحرّ” الأبيّ، يتضامن مع أهالي عين الرمانة وفرن الشباك الذين كانوا في مواجهة الميليشيات التي حاولت إجتياح مناطقهم والدولة وعبق التاريخ المقاوم، في حين أن باسيل برز بدور المُدافع الأول عن تلك الميليشيات، فانقلب السحر على الساحر وبات باسيل الخاسر الأكبر الذي يواجه مزاج الشارع المسيحي الحرّ المنتفض مع الدولة وجيشها ضدّ “الدويلة” وميليشياتها.