في الحلقة الثالثة من مسلسل المدعي العام الاستئنافي لجبل لبنان غادة عون أمس، شرحنا دور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في إتمام «الصلحة» بين القاضية عون ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، بطلب من صهر العهد المدلل جبران باسيل بغية إعادة الصلاحيات لغادة عون والإبقاء عليها، لأنها تنفّذ ما يمليه عليها… خصوصاً وأنها مدعومة منه، ومن العهد، مستقوية بفخامته وبصهره وبعض المستشارين.
الأهم من هذا كله أنّ الرئيس نجيب ميقاتي لعب دوراً أساسياً في هذه المصالحة، لأنه لا يستطيع أن يرفض أي طلب للصهر المدلل والعزيز، حتى ولو كان هذا الطلب يؤثر بشكل سلبي على موقع رئاسة الحكومة وعلى الصلاحيات أيضاً، ولا يراعي كرامة رئيس الحكومة… وللتدليل على ذلك نورد حادثتين حصلتا قبل تشكيل الحكومة الحالية:
في المرة الأولى طلب دولة الرئيس ميقاتي من المهندس جمال ابن الوزير المرحوم جميل كبي الذي يعمل في دبي في شركة مالية كبيرة الانضمام الى وزارته، لكنه طلب من المهندس كبي زيارة رئيس الجمهورية لأن فخامته يرغب بالتعرّف على الوزراء الجدد الذين يرغبون بالانضمام الى الحكومة المنوي تشكيلها. فعلاً المهندس جمال ذهب الى قصر بعبدا واجتمع بالرئيس عون، وبعدها عاد الى منزله ليرد على اتصال هاتفي من مكتب الصهر العزيز الذي أبدى رغبة بالاجتماع مع المهندس جمال كبي، فكان جواب جمال لـ»مكتب الصهر» انه لم يطلب موعداً لذلك ليست هناك حاجة لتلبية دعوة الصهر». والأنكى ان دولته بدل ان ينتفض للدفاع عن كرامته وكرامة موقعه قال للمهندس بالحرف الواحد: «ضيّعت عليك الوزارة»، فأجابه: «مليون سنة على مركز وزير، عندما يكون هذا المركز مقابل دعس كرامتي».
الحادثة الثانية جرت مع الوزير المميز القاضي بسام المولوي الذي فضح دولة الرئيس، حين شرح للزميل مارسيل غانم، انه لبّى دعوة الوزير جبران بناء على طلبه… والمصيبة الكبرى، ان معاليه قال هذا الكلام، بكل براءة، ويظهر انه لأول مرة في التاريخ يصل هذا القاضي الى الوزارة.. ومن أجل ذلك فهو كان مستعداً ان يفعل كل ما يُطلب منه حتى ولو كان هذا الطلب عجيباً غريباً.
المشكلة الحقيقية ان دولته يقول شيئاً ويفعل عكسه، لكنه بالرغم من كل الوعود التي أعطاها لرؤساء الحكومات السابقين، وبالأخص لدولة الرئيس فؤاد السنيورة فقد ذهبت هذه الوعود مع الريح لأنه في الحقيقة أجرى اتفاقاً مع الصهر، تنازل بموجبه عن كل شيء، فقط كي ينفّذ ما يطلبه الصهر.. لأنّ الحاكم الفعلي اليوم، ليس فخامة الرئيس بل فخامة الصهر… وما ذكرناه يؤكد قولنا.
يشير بعض العارفين ببواطن الأمور الى ان هناك أسباباً أخرى لهذه المصالحة… فقد يكون لقرار مجلس الشورى المرتقب، جواباً على الطعن الذي قدمته القاضية عون ضد قرار القاضي عويدات الذي جرّدها من صلاحياتها، أثر معيّـن في إتمام «الصلحة»… كما قيل أيضاً إنّ وزير العدل هنري الخوري هو الذي أجرى المصالحة.. لكن الحقيقة أنّ «الصلحة» تمّت بطلب من دولته.. تنفيذاً لأوامر الصهر… فالمهم بالنسبة للصهر أن تبقى القاضية عون في مكانها… لأنها الوحيدة التي تنفّذ أوامره من دون تردد، مهما كانت المخالفات والأعمال غير طبيعية.
باختصار، لقد شكّل «التصدّع القضائي»، وعلى مدى أشهر مرّت انعكاساً واضحاً لحال الانهيار الذي يعيشه لبنان في هذا العهد، على الصعد كافّة… إنها ظاهرة وقف أمامها الجسم القضائي والرأي العام، مذهولاً من مشهديّتها غير المسبوقة. فهل نستطيع القول: «صلحة مباركة»؟
على كل حال، هذا جزء بسيط مما ينتظر اللبنانيين من مسلسل تنازلات دولة الرئيس نجيب ميقاتي.