IMLebanon

خط الرجعة

 

 

تتسارع الإنقلابات في مواقف فطاحل المنظومة مع إقتراب إحتمال إجراء الانتخابات النيابية.. أو إحتمال تأجيلها..

 

وأهم ما يميزها هو هذا الـ»sans-gêne» المرتكز على الوقاحة، وعلى إفتراض قوامه أن الرأي العام «بغلٌ» بإمتياز، لا يتذكر ولا يحاسب ولا يعاقب.

 

وإلا كيف يمكن تفسير عودة الفتى الضال عن تهديده راعيه وحاميه بفك التحالف، وعن إتهامه إياه بتغطية الفساد. ليسارع اليوم إلى الإحتماء به والإستقواء بتحالفه وإياه في وجه العواصف العاتية عليه.

 

أكثر من ذلك، يشدد الفتى الضال على إعطاء براءة ذمة لوظيفة فائض السلاح الميليشيوي لحاميه خارج الدولة «للدفاع عن لبنان وسيادته». لا يهم إذا كانت ساحات هذا الدفاع عن السيادة تستبيح دماء الشعب السوري أو اليمني أو السعودي أو الإماراتي.. أو.. أو.. مع إنكفاء عن هدر الدم الإسرائيلي..

 

وما دام هذا الحامي متمتعاً بقدراته التخريبية هذه، يبدو منطقياً أن يتراجع الفتى الضال عن تهديده السابق. فقد كان لزوم بعض الشعبوية المنشودة بفعل إفلاس جماهيري بات يصعب ترميمه.

 

والواضح أنه يعتمد في إنقلاب مواقفه هذا، وهو ليس الأول ولن يكون الأخير على ما عهدنا وشهدنا، ليس على الذاكرة المثقوبة للرأي العام، وليس على إعتماد الكذب على هذا الرأي العام كقاعدة ذهبية لا يزال يجني ثمارها حتى يومنا هذا..

 

وإنما وبكل بساطة، هو يعلم يقيناً بأن مصدر إستمراريته ليست في شخصيته ومزاياه، وإنما في قدرة الحاكم بأمره على فرضه بمعزل عن المقومات التي لا يملكها. ولنا ذاكرة تؤرشف لهذا الفرض من خلال جولات الشلل التي إنتابت كل محطة من محطات وصوله إلى سلطة ما، ولا يخرج التمديد لمجلس النواب عام 2013 وصولاً إلى إقرار القانون الإنتخابي الحالي المعد على قياسه، حتى لا يرسب كما كانت النتائج السابقة.

 

لذا صاحبنا لا يتوقف عند مسألة المحافظة على «خط الرجعة» عما يقترفه من أخطاء وخطايا. لا يهمه إلا هذا التخندق إلى يمين من يصادر السيادة لمصلحة المحور الإيراني، فهو وحده منقذه من الضلال مهما شطح.. ولأجله قد تتم الإطاحة بالإنتخابات النيابية المرتقبة.

 

لكن المفارقة أن تستخف باقي القوى المتناحرة على حصصها في السلطة بأهمية «خط الرجعة»، في حين أنها تحتاجه لتستمر في عملية متواصلة لتمتين القواعد الشعبية والتحالفات التي كانت تجمعها في خندق واحد بمواجهة الحاكم بأمره، فهو كان ولا يزال يزيح من يشاء منها، سواء بالاغتيال الجسدي أو المعنوي.

 

فهذه المغالاة في إظهار العداء جديرة بالإهتمام والتأمل. ولا تبررها صدمة تعليق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عمله السياسي ومشاركته في الانتخابات، لا سيما مع معلومات مستجدة عن محاولات من رأس الهرم لرأب الصدع بين «الأخوة الأعداء» الذين راحوا بعيداً في تحريض قواعدهم على الخصومة، من دون التحسب لـ»خط الرجعة» الذي قد يجدون أنفسهم مرغمين على سلوكه إذا ما تم ترتيب «الصلحة» بحفلة تبويس لحى، يبدو أن لا بد منها بعد المجهول الذي يمكن ترقبه إذا استمر الحريري في قراره.

 

فقد نسي «الأخوة الأعداء» أنهم لا يتمتعون بنعم الفتى الضال. وهم لن يحصدوا إلا ما زرعوا، وعودتهم إلى الخريطة السياسية لا تتعلق إلا بجهودهم في هذا المضمار.. لذا حسابات «خط الرجعة» يجب أن توضع في الميزان.. وإلا خط الندم لهم بالمرصاد..