IMLebanon

شعارات برّاقة… إنما فارغة!

 

ليس رفع الشعارات الفضفاضة المناقضة في صميمها للأداء السياسي سوى ضرب من ضروب الإستهلاك الشعبوي على مشارف الإنتخابات النيابيّة المرتقبة، وهو محاولة من قبل القوى المأزومة شعبيّاً لمحاولة النفاذ في اتجاه تعزيز وضعيتها المتعثرة بعد سقوط المحاولات المتكررة لتطيير الإنتخابات تارةً من خلال الاعتراض على اقتراع الناخبين وطوراً من خلال إعادة طرح متطلبات لوجستيّة إنتخابيّة لم يعد من المتاح تطبيقها.

 

شعار الدولة المدنية شعار برّاق يوحي وكأنه يعطي لمطلقه زهواً سياسيّاً هو بأمسّ الحاجة إليه. ولكن هذا الشعار يتطلب تطبيقه مستلزمات أكبر بكثير من قاعة فخمة وشاشة مضيئة عملاقة وشخصيّات ملونة متلونة يتم استحضارها إستكمالاً لديكور التمثيل الطائفي المصطنع. القضيّة أعمق من ذلك بكثير.

 

القضيّة تستوجب بناء خطاب سياسي لا يستحضر العنصر الطائفي عند كل منعطف، ولا يرمي إلى استغلال المشاعر المذهبيّة واللعب على أوتارها. إنها تستوجب الإقلاع عن رفع الشعارات الفارغة التي لا ترمي سوى إلى شد العصب مثل تحصيل الحقوق الضائعة والمهدورة. إنها تتطلب فهماً عميقاً لطبيعة التوازنات الدقيقة القائمة في البلاد والتي لا يمكن القفز فوقها للعبور نحو الدولة المدنيّة المرتجاة.

 

بناء الدولة المدنيّة يتطلب تعميم ثقافة إحترام المواثيق والدستور وتعزيزها بدل ضربها وإسقاطها تحقيقاً للمصالح الفئويّة الخاصة. كما يتطلب إحترام المؤسسات بدل شلها وتعطيلها تحقيقاً لغاياتٍ وأهداف سياسيّة لهذا الفريق أو ذلك.

 

بناء الدولة المدنيّة يتطلب إقامة السلطة القضائيّة المستقلة القادرة على ملاحقة الفاسدين ومحاسبتهم، لا أن تتحوّل إلى جزر ومحميّات يقودها قضاة يطلقون الملاحقات غب الطلب، والأحكام غب الطلب. ويتطلب إحترام آليّات العمل القضائي ومؤسساته وخياراته مثل مجلس القضاء الأعلى، بدل تعطيل مرسوم التشكيلات القضائيّة واحتجازه في أدراج القصر الجمهوري لشهور طويلة من دون طائل.

 

بناء الدولة المدنيّة يتطلب الإقلاع عن سياسة إدارة الكهرباء طائفيّاً والنفايات طائفيّاً وسائر القطاعات طائفياً. إنه يستوجب مقاربات مغايرة لفكرة أن محطات الكهرباء موزعة مذهبيّاً، وبالتالي يحق للطوائف الأخرى بناء معاملها حتى ولو كانت غير مناسبة وأثبتت كل دراسات الجدوى الإقتصاديّة والهندسيّة والتقنيّة «عدم جدواها».

 

ولكن الأهم من كل ذلك أن بناء الدولة المدنيّة يتطلب قبل كل شيء إستعادة قرار الدولة المُصادَر والتأكيد على السيادة وعدم تجزئة مفاهيمها ومرتكزاتها. كما أنه يستوجب أن تحتكر الدولة وظيفة الدفاع عن أراضيها أسوة بكل دول العالم وأن تمارس هذه الوظيفة دون مشاركة من أحد أو مع أحد.

 

كيف يمكن لتيّار طائفي يتحالف مع حزب ديني أن ينادي بالدولة المدنيّة؟ أليس في ذلك استخفاف بعقول اللبنانيين وقدراتهم الفكريّة والعقليّة؟ وكيف يمكن لتيار بنى قاعدته الشعبيّة برمتها، وعلى مدى سنواتٍ طويلة، على أسس طائفيّة ومذهبيّة صرفة أن يحاضر في «الدولة المدنيّة»؟ إنه التيار ذاته الذي عاش ويعيش في الماضي ويستحضر لغة الحرب لإعادة تعويم واقعه المأزوم لأنه، بكل بساطة، لا يعرف كيف ينظر إلى المستقبل.

 

هل تؤمن وثيقة مار مخايل- التي كادت أن تلفظ أنفاسها ودفعت الحاجة المتبادلة وليس القناعة المشتركة لإعادة إنعاشها – العبور نحو الدولة المدنيّة؟ هل تعني الدولة المدنيّة إستباحة الحدود واختطاف القرار الوطني اللبناني المستقل؟ وهل تعني عزل لبنان عن محيطه العربي وإعادة تشكيل هويته وفق القواعد التي ترسمها المحاور الإقليميّة وفق أهدافها ومصالحها؟

 

في مؤتمر التيار الوطني الحر عن الدولة المدنيّة المرتجاة، كان «حزب الله» ضيف الشرف. يا لها من دولة مدنيّة. أيها اللبنانيون، أبشروا!