فقط في لبنان، الواقعة وقائع متناقضة والتاريخ القريب والبعيد وجهة نظر قوامها التزوير واستغباء العقول. المهم شد العصب والتذاكي وادعاء المظلومية ولبوس ثوب الضحية. وهات على سيول من الكذب والتدجيل.. ففي موسم الانتخابات كل شيء مباح، ما دام الهدف العودة الى الكرسي.
لم يعد الشأن العام إنجازات وعمل للمصلحة العامة وتأمين حقوق الناس في عيش كريم، ولو بالحد الأدنى. الشأن العام خاضع لمبدأ «الحرباية» والقدرة على التلون وفق المصالح الخاصة الضيقة…
ومن يتهم الناس بالتلون هو «الحرباية» الأصلية، تماماً مثل دبوس الأصلي. عنده كل بضاعة يمكن أن يحتاجها ليضحك على الناس، من البابوج إلى الطربوش وما بينهما من «كبش قرنفل» و»حبة سوداء» و»كف العفريت» و»فلفل قرن الغزال».. والخ الخ. المهم التصويب على العقول لإلغاء مفاعيلها.
وعلى الجمهور أن يسمع هذا الكم من المغالطات ويصدق ويصفق.. دوره لا يتجاوز ذلك.
و»14 آذار» كمحطة أكبر دليل على أن الجمهور عندما يتجاوز دوره، يفتري على حاله. هذا ما تريد لنا «الحرباية» المستندة إلى عضلات المحور الإيراني أن نفهمه.
صحيح أن كل من في السلطة يسعى إلى ذلك، وتستفزه مقولة «كلهم يعني كلهم»، فمغادرة جنة الحكم موجعة، وللكراسي حنين قد يؤدي إلى الإكتئاب. وعندما يحين استحقاق يمكن ان يهدد استيلاءهم على السلطة بجهود مشغلهم ومروضهم يصيرون أصحاب خطاب مستنسخ، ولكن أيضاً مع المحافظة على ألوان الحرباية، ليضمن كل منهم خصوصيته ويزيد حصته، وعندما ينتهي الإستحقاق لكل حادث حديث.
لكن يبقى الحديث الأهم المتعلق باستحالة هذه المنظومة تحقيق أي من الوعود التي تطلقها، ما دام الحاكم بأمره قد تمكن من الأحزاب «كلها يعني كلها»، وتحديداً تلك التي كانت قيّمة على حركة «14 آذار»، فأوقعها في أكثر من محظور، وأفسد في ما بينها، وخرب بيتها من بابه إلى محرابه، حتى صارت البوم تنعق في هذا البيت.
في المقابل، صب هذا الحاكم جهوده الصادقة على «الحرباية» ليضمن عدم إضعافها، ويمدها بالدعم والأصوات والحواصل، حيث يجب وكيفما يجب، وترك لها الحبل على غاربه، لتتظلم وتشكو استهداف الجميع لها. المهم إبقاء الأغلبية النيابية في جيبه. وهو بذلك لا يتلون ولا يتكتم. ولا يحتاج إلى كل الأساليب والحجج والادعاءات التي يتساهل حيالها، فقد حدد أهدافه وحققها وهو الآن يحمي مكتسباته.
أزاح من طريقه من كان يمكن أن يعرقله، ليس بخطاب ضده، ولكن بعمل يعيد بناء ما هدمه هذا الحاكم بأمره، سواء من خلال المحكمة الدولية التي نجح الرئيس السابق فؤاد السنيورة بحصول لبنان عليها لتكشف فظاعة ما ارتكبه خدمة للمشروع الإيراني، أو بالحصول على القرار 1701 الذي أنقذ الحزب قبل غيره من حرب تموز 2006 التي قلب مقاييسها وحولها انتصاراً الهياً، وأمن المال اللازم لإعادة الإعمار…
واليوم، وبعدما ارتاح الحاكم بأمره إلى وضعه، وبعدما قرر أن الاعمار والازدهار هما عدوان له يجب ان يجتنبهما، وبعدما خلت الساحة له من قامات تواجهه بالعقل والحكمة والعمل، ها هو يقف على انقاض البلد ويمنع أن يعاد اعمار المرفأ وبيروت التي أصبحت انقاضاً بفضله، ويمنع أي تحقيق جدي لكشف المرتكبين، وبصريح العبارة ومن دون مواربة… ويترك أحزاب المنظومة يتخبطون ليعودوا الى الكراسي… ويترك غطاءه المسيحي يتلون ويتراقص على حبل أكاذيبه… ولا عجب… فالمرحلة الحالية هي مرحلة «الحرباية»، ولا سبيل لمواجهتها الا بانقضاض الرافضين زمن الاحتلال والفساد المشرعن والتلون على صناديق الاقتراع ليقولوا بأصواتهم ان تدجين أحزاب منظومة ممكن… أما تدجين شعب بأكمله.. فمستحيل.