قرأتُ… وهَلْ أُصدِّقُ ما قرأت…؟ «أنَّ حزب اللـه يخوض معركة الإنتخابات النيابية مع التيار الوطني الحـرّ والرئيس ميشال عـون للحصول في الإنتخابات على الثلثين لانتخاب جبران باسيل رئيساً… أوْ الفراغ (١)».
إذْا تكرّرت تلك الفاجعة: «مخايل الضاهر أوْ الفوضى…» فكانت الفوضى.
إذْ ذاك قوموا واقرأوا الصلاة على لبنان… وموتوا.
ليس انتقاصاً مـنْ قـدْر جبران باسيل، بلْ إنّ لبنان بما بقيَ منـهُ وما بقـيَ فيه يكاد يحتاج إلى نبـيٍّ أوْ فيلسوف كمثل مَـنْ يـراهُ «الفارابي» مؤهَّلاً للمدينة الفاضلة ، ولا أظـنّ إنّ جبران باسيل يـدَّعي الإنتماء إلى فلسفة «الفارابي» أوْ إلى جبران «النبـيّ».
أنا لا أصدّق ما قرأت: ولا أقول بلسان الإمـام الحسين في مبايعة «يزيـد»: «مثلي لا يبايعُ مثلَه».
بل أصدّق ما سمعتُ على لسان جبران باسيل وهو يقول:
«… لا يمكن أنْ نخسر الدولة من أجل المقاومة»… 2/1/2022.
«هناك خلافٌ كبيرٌ مع حـزب اللـه… وتفاهم مار مخايل فشل في بناء الدولة… «20/1/2022».
«… نحمّـل الثنائي الشيعي مسؤوليةَ تعطيل جلسات الحكومة…» 12/1/2022.
سمعتُ هذا على لسان جبران، وبقدر ما هو عليه، فهمتُ من كآبـةِ ناظريهِ أنّـه يتلوّى بمرارةٍ مضادَّة: مرارةِ الإلتزام ومرارةِ الإنفصام، يعاني من ثنائيةٍ نفسيّة بسبب الثنائية الشيعية، يتلقّى المـرّ وإبَـرَ النحل معلِّلاً النفس بأقراص العسل الرئاسي، ولمّـا خشيَ أنْ يضيق الأمـل أصبح الفـمُ وكـراً للدبابير.
أنْ يُنْتخَـب جبران باسيل رئيساً فهذا يعني تمديداً لولاية جبران باسيل وقد مارسَ الحكم على مـدى السنوات الستّ، فلم نشهد فيها يوماً يبشِّـر بقطرة شهدٍ، ولا شهراً يُسمَّى شهرَ عسل.
أنا أعرف حـزب اللـه جيداً وهو يعرفني وأعرف شخصيّاً أمينـه العام السيد، وأعرف ما يكتنز من رجاحة الفكر والحكمة والتبصُّـر بحسن التدبير واستشفاف المصير فلا أصدّق أنَّـه يُقْدِم على هذه المغامرة، فيداوي الـداءَ بالداءِ مرَّتين، ويغسل الجسمَ بالماء مرَّتين ، ويستعدي جمهور الناس وهم لا يستجيبون لما يكرهون.
من المصادفات ربّما، أنّ أعلى قمـة مارونية روحية، إلى معظم الأحزاب المسيحية والسنيّـة والدرزية، ونصف الثنائية الشيعية، إلى السواد الأعظم من اللبنانيين، لا يرون في هذا الإنتخاب إذا حصـل، إلاّ طيفاً ثقيلاً يرتطِمُ بدولـةٍ مفكّكة كما الأشلاء، ويهبط على شعبٍ موشّحٍ بالرايات السود، يطفيءِ الشمعَ بالدمع.
الرومان القدماء كانوا يُلزمون أيَّ مرشحٍ لمنصب مهمٍّ بـأنْ يسير في أحـد شوارع رومـا مرتديَّاً ثـوباً أبيض، فإذا عـادَ دون أنْ يلوٍّث ثـوبَه بالطّين اعتبرُ صالحاً ومقبولاً.
إنّها الحكمة الرومانية التي تجسّد صـوت الشعب، جديرةٌ هي بأنْ تكون عندنا امتحاناً لأي مرشحٍ مهمٍّ ولا سيما لرئاسة الجمهورية.
«مثلي لا يبايعُ مثلَهُ…»
هكذا جمـعَ معاوية شيوخ العـرب فراحوا يتبارون في الحديث عن عظمة إبنـه «يزيـد»
وفقهـهِ وحكمته وعلمـه، وهو مـن كلِّ ذلك بـراء.
فقام إذْ ذاك شيخ المسلمين وقال: ربِّ إجعلْني ميتاً قبل أنْ أرى ولايـة هذا الخليفة.
لا… أنا لا أصدّق أنّ حـزب اللـه يريـدُ لكمْ أنْ تموتوا.
١– جريدة النهار: ابراهيم حيدر: 28/3/2022