من المستبعد تأجيل الانتخابات النيابيّة اللبنانيّة المقررة في منتصف ايّار – مايو المقبل. يعود ذلك الى رغبة «حزب الله» في اجرائها من منطلق انّها ستكرّس نهائيا شرعيّة سلاحه غير الشرعي الموجّه الى صدور اللبنانيين وما بقي من مؤسسات في دولة فاشلة تحولت الى جرم يدور في الفلك الإيراني.
ثمة حاجة لدى الحزب، في هذه المرحلة الاقليميّة بالذات، الى تأكيد انّه يمتلك كلّ المطلوب كي يعترف العالم بانّه يحكم لبنان عبر مؤسسات الدولة، بما في ذلك مجلس النوّاب. لم ينفّذ سلسلة الانقلابات التي بدأت بتفجير رفيق الحريري ورفاقه في العام 2005 وما تبعها من اغتيالات سياسيّة وصولا الى فرض ميشال عون رئيسا للجمهوريّة كي يبقى في لبنان من يعترض على الاحتلال الإيراني.
من هذا المنطلق، تبدو الانتخابات، في الظروف الراهنة، حاجة لدى الحزب الذي استطاع تغيير طبيعة المجتمع اللبناني تغييرا جذريا بغطاء مسيحي (التيّار البرتقالي) الذي عرف كيف يستخدمه ويعصره الى آخر نقطة. ليس صدفة انّ «التيّار العوني» في حاجة ماسة إلى الحزب كي يثبت انّه لا يزال ورقة مسيحيّة مهمّة ووازنة في مواجهة «القوات اللبنانيّة» وقوى مسيحيّة أخرى غير مستعدة لمهادنة الاحتلال الجديد.
اذا كان من معنى للانتخابات التي لا يمكن ان تنتهي سوى بسيطرة «حزب الله» على مجلس النوّاب، مرّة أخرى بعد الذي حصل في انتخابات 2018، فإنّ هذا المعنى يتمثل في سؤال بسيط: هل يتمكّن الحزب من تعويم جبران باسيل، صهر رئيس الجمهوريّة؟
لعب جبران الدور المحوري طوال عشر سنوات في ضمان عدم تمكن ميشال عون من ان يحيد قيد انملة عن الخطّ الذي رسمه له الحزب. كان ذلك منذ توقيع وثيقة مار مخايل في شباط – فبراير 2006 وصولا الى انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهوريّة في 31 تشرين الاوّل – أكتوبر 2016 بفضل خطأ لا يغتفر ارتكبه الدكتور سمير جعجع، وهو أفضل من يعرف ميشال عون والسهولة التي يمتلكها في الانتقال من عند صدّام حسين… إلى أحضان «حزب الله.
في عشر سنوات، غطّى ميشال عون، بضمانة من جبران باسيل، كلّ إرتكابات «حزب الله»، من حرب صيف العام 2006… إلى اغتيال وسام الحسن مرورا في طبيعة الحال بالاعتصام في قلب بيروت بغية تمزيق العاصمة تمهيدا لغزوة ايّار – مايو 2008. شملت تلك الغزوة بيروت والجبل. استهدفت السنّة والدروز الذين يعانون حاليا من هجمة شرسة مكّنت ميشال عون وجبران باسيل من الوقوف موقف الشامت منهما.
لم يحد ميشال عون، بعدما صار في بعبدا، مليمترا واحدا عن الخطّ الذي رسمه له «حزب الله» ومن خلفه ايران. إنّه يعرف تماما النتائج المترتبة على الخروج عن هذا الخطّ. لذلك كان مخطئا كلّ من راهن على ان ميشال عون في قصر بعبدا هو غير ميشال عون خارج القصر. كلّ المطلوب منه متابعة حملته على لبنان واللبنانيين كي يزداد البلد فقرا وكي تستمر موجة الهجرة، خصوصا هجرة الشباب المسيحي.
من هنا، يمكن فهم هذا الإصرار لدى «حزب الله» على وجود كتلة نيابيّة وازنة لدى جبران باسيل في مجلس النوّاب المقبل. إنّه الرجل المفتاح الذي استطاع ضبط ميشال عون من جهة وان يكون ضمانته من جهة اخرى. حلم ميشال عون دائما بان يكون رئيسا للجمهوريّة، بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه لبنان وسيدفعه المسيحيون على وجه التحديد. وحده جبران باسيل استطاع ان يحقّق لميشال عون حلمه، وهو حلم «حزب الله» بان يكون رئيس الجمهوريّة المسيحي مؤمنا بحلف الاقلّيات. يعني هذا الحلف، بين ما يعنيه ان يذهب رئيس الجمهوريّة الى روما والفاتيكان ليقول: «مقاومة الاحتلال ليست إرهابا، وليس لحزب الله المكون من لبنانيين وحرّر الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي أي تأثير على الواقع الأمني الداخلي للبنانيين».
يصعب إيجاد رئيس للجمهوريّة يقول مثل هذا الكلام الذي لا يتضمّن سوى عبارة واحدة صحيحة هي ان الحزب «مكوّن من لبنانيين». من هذا المنطلق، يمكن فهم انّ الانتخابات النيابية المقبلة تتضمّن معركة أخيرة لـ»حزب الله»، هي معركة إنجاح جبران باسيل وإعادة تعويمه. هذا ما يفسّر الى حد كبير الضغوط التي مورست من اجل جعل زعيم «تيّار المردة» سليمان فرنجيّة يعيد النظر في موقفه من جبران باسيل في ما يخصّ الانتخابات. قبل ذلك، كانت ضغوط من اجل توفير دعم من حركة «امل» الشيعيّة لـ»التيّار العوني» على الرغم من غياب الحدّ الأدنى من الكيمياء بين الرئيس نبيه برّي من جهة وميشال عون وجبران باسيل من جهة أخرى.
يتبيّن في كلّ يوم يمرّ حجم الدمار الذي خلفته «وثيقة ما مخايل» التي فرضت على لبنان واللبنانيين مزيدا من البؤس والتعتير. ما يتبيّن اكثر ان «حزب الله» لا يزال في حاجة الى جبران باسيل في ضوء كلّ الخدمات التي قدّمها له، بما في ذلك ضمان ثبات ميشال عون على الخط الذي رسمه له الحزب وتكريس معادلة «السلاح يحمي الفساد»، وهي المعادلة التي جعلت وزارة الطاقة في عهدة جبران باسيل منذ ما يزيد على 12 عاما… ما ادّى الى انعدام أي وجود للكهرباء.
إنّها المعادلة السحريّة التي عزلت لبنان عربيّا ودوليّا واغرقته في مزيد من الديون ودمرت كلّ مقومات وجوده في ظلّ انهيار للنظام المصرفي مع انعكاس ذلك على كلّ القطاعات الحيوية من التعليم، إلى المستشفى، إلى الخدمات والسياحة…