لم يسبق أن عايش اللبنانيون سياسيا نزقاً، على نسق رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الذي ينتهج الديماغوجية اسلوباً والاستتباع الملتوي نموذجا مقيتاً، لتغطية سوء ادائه السياسي المدمر، و فشل التجربة العونية بالسلطة.
يستعدي ويستفز كل الاطراف السياسيين، بسبب او بدون اي ذريعة كانت. يمتطي حمى التعصب الطائفي والمذهبي باستمرار، تحت شعار الحفاظ على حقوق المسيحيين، لشدشدة عصب جمهوره المريض، واهماً اياه بالعودة الى زمن المارونية السياسية قبل الطائف، فيما يكتفي بلطشات محددة تجاه حليفه الوحيد حزب الله من هنا او هناك، لزوم إظهار استقلالية وهمية، لتنفيس عتب مؤيديه. وبالطبع يعرف حدوده المرسومة عن ظهر قلب، فلا يتخطى حدود التفاهم الضمني بينهما، في اطار لعبة توزيع الادوار المرسومة، من مرتكزاتها الاساسية، تأمين مستلزمات استمرارية، تسلط سلاح الحزب الايراني على القرار السياسي اللبناني ومقدرات الدولة، مقابل ترك هوامش معينة،لاطلاق يده بنهب، ما تبقى من موارد الكهرباء الناضبة، واستعماله أداة مأجورة، كلما دعت الحاجة، لعرقلة وشل عمل الحكومات او استهداف الخصوم السياسيين، والامعان في حرف لبنان عن محيطه العربي والدولي.
هكذا استنزف رئيس التيار الوطني الحر سنوات عهد عمه، رئيس الجمهورية ميشال عون، المولع اصلا بالحروب العبثية والالغائية، يخاصم الجميع، ويعطل الدولة والحكومات،الى ان وجد نفسه على ابواب الانتخابات النيابية في خضم الخصومة السياسية مع الجميع، التي وصلت الى حدود العداء.
تساوى رفاق تحالفه الممانع، مع خصومه التقليديين، بتجنب التحالف معه،وبدأ مكروها من القاعدة الشعبية على مستوى الوطن كله،حتى في ربوع الاغتراب الذي صرف اموالا طائلة من الخزينة في السنوات الماضية، وامضى اياما وليالي على متن الطائرات الخاصة، لمصادرة ولاءاتهم واصواتهم الى تياره، ولكن دون جدوى.
إزاء هذا الواقع المحبط، حاول باسيل تعطيل الانتخابات النيابية، تارة من خلال المطالبة بتعديل قانون الانتخابات، وتارة اخرى من خلال الاصرار على ضرورة إنشاء الميغاسنتر،اوتحريك قضاء غادة عون لفبركة ملفات ضد خصومه، اوعرقلة مهمات الحكومة الميقاتية لحل الأزمة المالية، لاثارة الرأي العام ضدها وافشالها.
لم تقتصر ممارسات باسيل عند هذا الحد، بل ادى اسلوبه العبثي والتفردي، الى تصدعات داخل تياره، تمثلت باستبعاد كل من ينتقده او يهدد زعامته للتيار تحت ستار الاقتراع التمهيدي، لاختيار المرشحين الاكثر شعبية ظاهريا، وضمنيا لاطلاق يده في انتقاء المرضى عنهم والوازنين ماليا،ما انعكس سلبا على تشكيل لوائح التيار باكثر من دائرة، وتنافسا محموما بين المرشحين ضمن الدائرة الواحدة،كما يحصل في جزين مثلا وغيرها، ما يهدد بفشل مرتقب لمرشحي التيار فيها.
وجد باسيل نفسه هذه المرة، في ظروف مغايرة عن الانتخابات السابقة، منبوذا من الحلفاء والمحايدين والاصدقاء السابقين، مكروها هو وتياره حتى الحضيض. لم تنفع نطنطاته الهزلية على المنابر، وانتهاجه اسلوب الشتم، ضد منافسه المسيحي سمير جعجع، في تبديل نظرة اللبنانيين تجاهه، او التعاطف معه من جديد، ووجد ابواب معظم المناطق اللبنانية مقفلا امامه وغير مرحب فيه على الاطلاق.
اصبح مجال المناورة محدودا امامه، والعهد الذي أداره مباشرة ومن وراء الجدران، واستقوى بمقدراته، يجرّ اذيال العجز والخيبة والفشل،وقد اصبح باشهره الاخيرة وكأنه انتهى وغير موجود.
لم يجد امامه اخيرا امام هذا الواقع المازوم، الا العودة إلى بيت طاعة حليفه حزب الله، صاغرا ومستجديا تدخله، لاقناع رئيس المجلس النيابي نبيه بري بضم مرشحي تياره. في اكثر من دائرة منبوذ فيها، متناسيا حملاته التي لم يبقِ فيها،ولم يذر من تهمٍ وموبقات بحقه.
كل الخصومات وحتى العداوت، تسهل عند رئيس التيار الوطني الحر، عندما يتعلق الامر بمقعد نيابي هنا أو موقع وظيفي من هناك،كما كان الامربحقيبة وزارية من قبل.
لم يعد بري وحركة امل من الفاسدين ومفشّلي عهد الرئيس ميشال عون، ولم يعد حزب الله من يعيق بناء الدولة والمؤسسات، كما نعته أكثر من مرة.
لا يهمه أمر الحفاظ على الكرامة الوهمية التي تشدق فيها مرارا، وقد اصبحت لزوم، ما لا يلزم امام اللهاث وراء الزعامة والمقاعد والكرسي الموعود. كلها تداس تحت الاقدام، في سبيل استجداء مقعد نيابي هنا أو هناك. كلها امور شكلية بممارسته السياسية، لا تستوجب التمسك بها والحفاظ عليها، الا لدغدغة مشاعر الجمهور ،فيما حليفه الوحيد والمتبقي، يتحرك على عجل، يجمع الاضداد في صف واحد، ويُسكِت المعترضين والشاتمين ليل نهار، اما اغراء بالمال او تخويفا بالسلاح. يستجيب لمطالبه ويحجز مقاعده على لوائح المنضوين تحت سلاحه. يتلذذ باذلاله، لا يهم تلويحه بالخروج من اصطفاف ورقة مار مخايل، مادام تياره يغطي السلاح بالشرعية المسيحية، دون الاخرين.