Site icon IMLebanon

التيار عاتب على الحليف: نريده معنياً لا أطفائياً فقط!

 

 

منذ لقاء الساعات السبع، في تشرين الأول الماضي، بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لم يُعلن عن أي لقاء بين الرجلين. خلال هذه الفترة اندلعت «ثورة» واستقالت حكومتان و«انفجر» المرفأ في وجه الجميع. الانقطاع لا يعني قطيعة، وليس تعبيراً بالضرورة عن برودة، خصوصاً أن التواصل والتنسيق مستمران على المستويات كافة. التيار الذي بدأ يلمس إحباطاً في بيئته من فشل العهد، أو تفشيله، في تحقيق الانجازات الموعودة، تجهر مصادر قريبة من قيادته بالعتب على «الحليف النظيف» الذي «عوّلنا عليه في مشروع بناء الدولة»

 

في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، ما قبل كارثة المرفأ، جدّد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل التأكيد على ثوابت العلاقة مع حليفه الأبرز حزب الله. «لولا معادلة القوة هل كان بإمكاننا الحديث عن نفط وغاز بوجود إسرائيل؟ فلماذا يجب أن نخسر ذلك؟»، سأل، مؤكّداً أنه «لا يجب أن نُسقط من يدنا قدرة الدفاع عن لبنان. هذه ورقة في مواجهة إسرائيل. والاستراتيجية الدفاعية تصبّ في هذا الإطار». أمّا الحياد، فيحتاج إلى «عناصر قوة» لحمايته، وسلاح المقاومة واحد من هذه العناصر. لكن باسيل، في المقابلة نفسها، أشار إلى «أننا متحفّظون على دور حزب الله في اليمن مثلاً، والتفاهم بيننا هو حول الأمور المتعلّقة بلبنان وليس الشؤون الإقليمية»، وإلى أنه «في بعض المشاريع الداخلية، حلفاؤنا آذونا أكثر من خصومنا». فأيّ علاقة تجمع الحليفَين اليوم؟

 

في التيار الوطني الحر، اليوم، «عتب كبير» على الحليف. وباسيل، «من موقعه كرئيس لهذا التيار، يعبّر عن إشارات يلتقطها من البيئة التي يمثلها». هذه البيئة، وفق مصادر قيادية في «الوطني الحر»، لا نقاش فيها حول الوظيفة المقاوِمة لسلاح حزب الله، لكنها تطرح في الوقت نفسه أسئلة كبيرة، ترغب بشدّة في تلقّي إجابات عنها خصوصاً بعد فشل ثالث حكومات العهد في تحقيق أي انجاز، من نوع: إلى أيّ حدٍّ يمكن أن يذهب هذا السلاح في البعد الجغرافي؟ غير أن أكثر ما يقلقها هو مقاربة حزب الله للقضايا الداخلية، ربطاً بالإحباط الذي بات يخيّم عليها نتيجة انقضاء أربع سنوات من عهد كانت تعلّق عليه آمالاً كبيرة، ومع تجدّد الحملة على العهد بعد كارثة الرابع من آب. والسؤال الأبرز هنا: «إذا لم نكن قادرين على بناء الدولة وتحقيق الإصلاح في عهد ميشال عون، وبالتحالف مع الحزب الأقوى الذي لا شبهة فساد على أدائه، فمتى يكون ذلك وبالتحالف مع من؟»، و«هل سنحقق في حكومة يرأسها سعد الحريري وللخصوم السياسيين خصة وازنة فيها ما لم نقدر على تحقيقه في حكومة حسان دياب؟»

تعود المصادر إلى تفاهم مار مخايل (6 شباط 2006) الذي انبنى على دعامتَين أساسيتين: «الأولى، رؤية استراتيجية تعطي – عن قناعة وليس مِنّة – شرعية لسلاح المقاومة في وجه إسرائيل والإرهاب؛ والثانية تتمثّل في مشروع بناء الدولة». والتيار الذي قامت أدبياته الأولى على رفض اتّفاق الطائف «انخرط في العمل السياسي وفق قواعد هذا الاتفاق معوّلاً على أننا بالتعاون مع حليف نظيف كحزب الله قادرون على المضي في مشروع بناء الدولة». هنا، تنطرح الأسئلة الكثيرة بين «التياريين»: «لماذا لم نتمكّن، على مدى 14 سنة من عمر هذا التفاهم، من التقدم في هذا المشروع؟»، مع قناعة بأنه «لو بذل الحزب مجهوداً أكبر لكنّا قادرين على خلق ديناميكية تغيير تجعل من هذا العهد عهد مكافحة الفساد، ولكنا أقوى بكثير في وجه الهجمة المتجددة بعد كارثة المرفأ على رئيس الجمهورية».

باختصار، المطلوب، عونياً، من حزب الله، «أن يكون معنياً وأن يكفّ عن أن يكون إطفائياً فقط». «ففي وضع مهترئ كالذي نحن فيه، لا يمكن للحزب أن يواصل أداءه السابق بل ينبغي أن يكون مواكباً، وأن يلاقينا في مكان ما. الإصلاح يحتاج إلى أكثر من شعارات، وأكثر من قوانين تقرّ بعد أن تُفرّغ من محتواها، ومن رفض إقفال صناديق الهدر من مجلس الجنوب إلى صندوق المهجرين، ومن التصويت بورقة بيضاء على قانون التدقيق الجنائي على مصرف لبنان. لا يكفي اليوم أن ترفض قوانين الكابيتال كونترول والإصلاح الضريبي والتهرب الضريبي من دون أن تبذل جهداً لتقديم بدائل، ولا يكفي أن توافق على التفاوض مع صندوق النقد من دون أن تواكب ذلك بإصلاحات تحتاج إلى أكثر من جلسة لمجلس النواب كل شهرين، ولا أن ترفض رفع الدعم عن المازوت، مثلاً، لمصلحة توزيع هذا الدعم على المزارعين والصناعيين والفئات الأكثر حاجة من دون أن تقدم بدائل أيضاً، ناهيك عن الموقف من خطة الكهرباء وقانون تنظيم المقالع والكسارات وغيرها».

يدرك التيار أن للحزب همومه الخارجية الكبرى وأنه يدير ملفات إقليمية وهو جزء أساسي من اللعبة الإقليمية، «لكننا في الوقت نفسه مقتنعون بأنه لم يعُد في إمكاننا المراهنة فقط على مناعتنا الخارجية في وقت فقدنا مناعتنا الداخلية تماماً، وقد نكون قادمين على الأسوأ. لم نأتِ بميشال عون رئيساً ليُفشّل، ونحن مستهدفون بقدر ما هو حزب الله مستهدف».

في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، جدّد باسيل التأكيد على «ثوابت المواقف»، والتفهم التام لمعادلات الصراع الإقليمي والدولي التي تحتم على حزب الله أحياناً اتخاذ مواقف قد لا يكون لها وقع لطيف في «الوجدان المسيحي». لكنه أرفقها بمخاوف يحاول خصوم التيار النفاذ منها لزعزعة بيئته المحبطة، كما في استغلال «خبثاء المنظومة السياسية لدعوة البطريرك بشارة الراعي إلى الحياد، وهي دعوة كان لها دائماً وقع بين المسيحيين الذين لطالما اعتقدوا بأن انخراط لبنان في سياسة المحاور يؤدي إلى إضعافه وتفريغه من مسيحييه، وكما في استثمارهم السياسي لكارثة مرفأ بيروت من أجل تجديد استهداف الحزب واستهدافنا». وعدم الإجابة عن هذه المخاوف ستكون لها تداعيات على الحليفين معاً.

في المقابل، يدرك التيار أن أداءه أيضاً لم يكن فوق الشبهات. خطاب «استعادة الحقوق»، مع «قناعتنا بصوابيته»، و«مازورة جبران» لقياس المناصفة، حتى في أدنى سلم الوظائف الإدارية كمأموري الأحراج والمراقبين الجويين وخفراء الجمارك، سهّلا على خصوم الرجل شيطنته. وهو، أيضاً، «أتقن» استفزاز الخصوم والحلفاء وحلفاء الحلفاء معاً، في الأداء، وكذلك في المضمون، كما مثلاً في تمسّكه الحنبلي بموقفه في ملف الكهرباء. كذلك يتحمّل باسيل مسؤولية سياسية عن قانون انتخاب «سعّر الخطاب المذهبي من جهة وشتّت التركيبة السياسية إلى درجة أن التيار خاض الانتخابات من دون أي حليف، وفي وجه حليفه الأساسي في جبيل وبعلبك – الهرمل».

 

إذا كنا مع الحزب الأقوى الذي لا شبهة فساد حوله غير قادرين على بناء الدولة في عهد عون فمتى نفعل ومع من؟

 

 

رغم ذلك، ليس هذا وحده ما مهّد لمحاولة «الاغتيال السياسي» للرجل في 17 تشرين بتحميله تداعيات 30 عاماً من الفساد والمحاصصة. بل أيضاً – وهنا يحضر حزب الله مجدّداً – «تحمّله بالشخصي فاتورة كبيرة» خلال عمله في الخارجية، في ثلاثة مواقع على الأقل: في الأخذ على عاتقه تجويف الاتهامات الإسرائيلية والغربية لحزب الله بتخزين السلاح في مواقع في ضاحية بيروت عبر تنظيمه جولة للدبلوماسيين الأجانب على هذه المواقع في تشرين الأول 2018؛ وفي تأكيده من واشنطن، في أيلول 2019، بـ«أننا لا يمكن إلا أن نخالف الأميركيين» في اعتبار المقاومة إرهاباً؛ وفي خطابه «التأنيبي» في الجامعة العربية، في تشرين الأول 2019، حول إقصاء سوريا عن مقعدها و«أوان عودتها إليه».

مثخناً خرج باسيل من «لحظة 17 تشرين»، ولكن مع «مراجعة للمرحلة الماضية، ومع رؤية مختلفة في ما يتعلّق بالخيارات الاقتصادية والانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الإنتاجي، وفي تأكيد أن المصارف ليست في موقع فرض شروطها على الدولة، وفي رفض الهندسات العقارية على طريقة الهندسات المالية للسيطرة على ممتلكات الدولة، ومع بلورة لبنان موقفاً واضحاً في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي قبل السير في أي خطة يطرحها الصندوق». باختصار، «نحن أمام جبران معدّل»، ولكن «ثابت في حلفه مع حزب الله»، وفي باله دائماً أن «أيّ تقدّم يحتاج إلى الشريك الوحيد القادر على المساعدة… فهل يُقدم حزب الله، أم سيكتفي في الحكومة المقبلة، أيضاً، بوظيفة المصلح والحريص على الامساك الدائم للعصا من منتصفها؟».