العهد وباسيل يرفضان الحريري وحكومة وحدة برئاسته
إنها فترة تمرير للوقت في ظل الفراغ الحالي على الصعيد الحكومي بعد إستقالة حكومة الرئيس حسان دياب. ويبدو أن هذه الفترة ستطول وتتضاءل فرص التوصل الى حكومة جديدة قبيل عودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان المنتظرة في الأول من شهر أيلول المقبل للاحتفال مع لبنان بمئويته الأولى.
قد لا يكون الفشل لدى الأفرقاء السياسيين مقتصراً فقط على تشكيل الحكومة فهو قد يسقط نفسه حتى على إختيار الشخصية السنية التي ستتولى رأس الحكومة في الوقت الذي يواجه فيه زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري معارضة من بعض الإرقاء على الساحة وبعضهم يصنف في إطار الحليف، علما أن الحريري نفسه لم يعلن رغبته في العودة وهو يحتفظ بتكتم يحيّر الجميع.
وطالما أن حسم أمور الحكومة المقبلة سيتأخر، من المرجح أن تستمر حكومة تصريف الأعمال في توليها زمام الامور الى أمد غير معلوم قد يطول حسب البعض أشهرا طويلة الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من تشرين الثاني المقبل والتي سترسم معالم المرحلة المقبلة بالغة الأهمية.. وحتى بعدها بأمد غير قليل.
صلاحيات محددة.. إلا إذا
طبعا، لا تتمتع حكومة تصريف الاعمال الحالية سوى بصلاحيات محدودة. فهي لا تجتمع كما الحكومات العادية، لكن على الوزراء المعنيين تسيير شؤون وزاراتهم اليومية إدارياً وعدم تعطيلها لكن من دون الخروج بقرارات جديدة أو تصرفية وقد يتعلق بعضها بقرارات إستراتيجية كبرى وبسياسة الدولة العليا.. على أن لكل أمر إستثناء، وفي زمن «كورونا»، يمكن للحكومة الاجتماع حفاظا على هيبتها وضمانا للخروج بقرارات مواجهة للوباء، وقد تمدد لحالة الطوارىء أو تتخذ قرارا جريئا لا مفر منه لإقفال البلد في مواجهة الوباء في ظل فقدان حس المسؤولية عند شرائح كبيرة من الشعب اللبناني.
زعيم «المستقبل» رجل المرحلة؟
لذا ورغم دقة المرحلة، فإن من المتوقع أن تستمر حكومة التصريف في أعمالها أمداً طويلاً. وحتى يحين أجلها، لن يكون في مقدور القوى المختلفة، ومنها العهد و»التيار الحر»، تجاهل الحيثية السنية للحريري، أو الحريرية السياسية في حال رفض الأخير العودة.
وحسب الحريريين، فإن زعيم «المستقبل» الذي تتوجه إليه الأنظار بعد حدثي تفجير المرفأ وقرار المحكمة الدولية باغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يشترط حكومة «فاعلة» يتمتع فيها بالصلاحيات الضرورية لمواجهة المرحلة المقبلة وجذب المساعدات. ولعل ذلك هو ما سيفتح الباب أمام الانفتاح على العرب والعالم، بالتوازي مع الشروع في الإصلاحات التي لا خروج للبلاد من أزمتها من دونها.
هذان الحدثان سيعززان من الحاجة الى الحريري الذي سيتخذ من الماضي القريب في عملية تشكيل الحكومة، مثالاً لتأكيد مقاربته اليوم. وهي شروط يضعها الحريري بناء على التجربة السابقة، خاصة مع العهد أي رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس «التيار الوطني الحر» باسيل. وبنظرة بسيطة على الإنهيار الذي شاب العلاقة بين عون وباسيل من جهة، والحريري من جهة أخرى، لا يبدو أن الفجوة ستردم قريباً.
من يرمم الثقة؟
للجانبين روايتهما الخاصة للأسباب التي أدت في كل الاحوال الى نتيجة واحدة.
يرى الحريري أنه كان وراء ما عرف بالتسوية الرئاسية التي أوصلت عون الى الرئاسة. وفي ذلك جانباً من الصحة كون الحريري أحدث انقلابا في رؤية الجانب السني في البلاد الذي كان تاريخيا يرتاب من عون، قائدا للجيش فمعارضا منفيا ومن ثم زعيما للأكثرية المسيحية التي تتحالف اليوم مع «حزب الله».
وإذا كان الحريري محقا في تحليله، فإننا لا يمكن تجاهل عاملي «الفيتو» الرئاسي الذي وضعه «حزب الله» على أي مرشح غير عون للرئاسة، وما عرف بـ»إتفاق معراب» الذي طوّب عبره التيار المسيحي الثاني، «القوات اللبنانية»، عون رئيساً.
ومن ناحية رئيس الجمهورية، فهو يعتبر أنه جاء بتسوية لمصلحة البلاد وجميع الأفرقاء ومنهم السنة، وبتسوية أفاد منها الحريري نفسه الذي وقف العهد معه بصلابة خلال أزمته في السعودية. وهناك الكثير من الكلام حول ما حققه التياران، «المستقبل» و»الحر»، من مكتسبات في سياسة تحاصصية في إدارات الدولة وفي تفاهمات على «القطعة» في السياسة والإقتصاد وغيرها.. وهي تفاهمات ما لبثت أن تفجرت فجأة بعد تاريخ 17 تشرين خلافا سياسياً وشخصياً.
تتهم بيئة «التيار الحر» الحريري بمحاولة إقصائها عن التمثيل الحكومي مع اشتراطه سابقاً حكومة تكنوقراط برئاسته في خروج عن التسوية التي أُبرمت، وبمحاربة حكومة دياب سياسياً وإعلامياً وخارجياً حتى سقوطها. وتستنكر عودة الحريري بعد أن لفظه الشارع وفي محاصصة جديدة سادت ما قبل 17 تشرين، فما الذي تغيّر؟
الحريري الصامت، بات أكثر ثقة بعد الدفع الغربي له والتوافق والتنسيق الفرنسي الأميركي عليه أو من يختاره، من دون معرفة حتى الآن الموقف السعودي من تلك العودة وعلى أي أساس وشكل حكومي إذا ما كانت هذه الموافقة حاصلة.
لكن الزعيم «المستقبلي» يتخذ دعما كبيرا من حاجة البلاد الى شخصية تُخرج لبنان من العزلة التي عانى منها، علما ان خرقا كبيرا تحقق فيها بعد الحادث المأساوي في الرابع من آب. لكن حضور الرساميل الغربية قد يكون رهنا بإطمئنان غربي لشخصية مثل الحريري ولحكومة توحي بالثقة. كما أن ثمة حاجة سنية للحريري في ظل مرحلة طويلة من الإحباط السني بالكاد تمكن زعيم «المستقبل»، ولفترة جزئية، من إخراج طائفته منها..
وفي انتظار الأسابيع المقبلة، سيعود الحريري ليكون حجر الرحى في عملية تشكيل الحكومة، لكن البعض يلفت النظر الى أن الامور تتجه يوما بعد الآخر نحو التعقيد في ظل تدويل حاصل للبنان ولو أنكره البعض.
وفي هذه الأثناء، سيستمر الكباش بين مؤيدي حكومة حيادية يدفع إليها الحريري ومعظم الأفرقاء الداخليين يأمل كثيرون أن لا تستفز شارع الإنتفاضة المعارض أصلاً لعودة الحريري، ومؤيدي حكومة وحدة يريدها «حزب الله» لكنها تواجه صعاباً في هذه اللحظة السياسية وتفتقد حتى اللحظة لتأييد العهد و»التيار الحر».. ربما في سبيل رفع السقف التفاوضي مع خصمهم «المستقبلي».