للمرة الثانية على التوالي يقدّم رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي مسودّة ثانية للتشكيلة الى رئيس الجمهورية ميشال عون، ليخرج في الامس من دون ان يدلي بتصريح، مما يفضح العلاقة السياسية القائمة بينهما، والتي لم تشهد توافقاً كما هو مطلوب بين الرجلين، في ظل معلومات بأنّ اللقاء الذي شهدته اروقة قصر بعبدا صباح امس لم يكن ميالاً الى الايجابية، بل باهتاً وقليل الكلام، خصوصاً انّ المسودّة الاولى لم تلاق تأييداً من بعبدا، وإنطلاقاً من هنا إعتبرت مصادر نيابية في «التيار الوطني الحر» بأنّ التشكيلة الاولى نتجت عن اتفاق خفي بين ميقاتي ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي، ورئيس الحزب «الاشتراكي» وليد جنبلاط، ورئيس «تيارالمردة « سليمان فرنجية، الامر الذي يؤكد « أنهم إتفقوا علينا»، كما ذكرت المصادر المذكورة، ورأت بأنّ هذا التحالف قد يصيب بعبدا و»التيار» بالشظايا السياسية.
الى ذلك، وفي ظل العرقلة الحكومية التي ستسود من الآن ولاحقاً، كما كان يحصل في السابق، فلا تفاؤل على الخط الحكومي، بل تشاؤم قابل للتطور والانتشار بأقصى سرعة، لان لا شيء يطمئن، خصوصاً ان عدد رافضي المشاركة في حكومة الاشهر القليلة، لم تعرفه الحكومات السابقة في أي مرة، لانّها قصيرة الاجل هذه المرة وغير «ربيحة» ، مما يعني انها لا تفتح الشهية للتوزير، وكل يوم تعود الى مربعها الاول، فيما البلد يتلاشى من الانهيارات، التي تتوالى عليه تباعاً من دون اي حل، او بادرة امل بإمكانية تغيّير المسار، الذي وصل الى قعر الهاوية على وقع تفاقم الخلافات المتلاحقة، لذا ستبقى الحكومة عالقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وعلى الرغم من دخول الوسطاء في الحل، لكن الدخان الابيض على ما يبدو لن يتصاعد، ومهمة الرئيس المكلف معروفة نتائجها، خصوصاً انه يعلم كل ما يجري في الكواليس وخارجه، والسيناريوهات التي تطبخ لتقف سدّاً منيعاً امام الفرصة الاخيرة لمهمته، التي تبدو مستحيلة وكأنّ هنالك قراراً بعدم ولادة حكومته والابقاء على ما هو قائم اليوم، اي مجلس وزراء لتصريف الاعمال ليس اكثر وبوتيرة هادئة غير منتجة.
في غضون ذلك، يرى مصدر مطلّع على كواليس التشكيلة، بأنّ كل ما يقال عن خلاف حول حقيبة من هنا واخرى من هناك، ليس سوى مسرحية يعمل القيّمون على جعلها حقيقة، فيما الواقع الحكومي يؤكد بأنّ الثلث المعطّل، الذي يسعى اليه العهد ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل يبقى عقدة العقد، حتى ولو جعلوا ذلك الثلث مخفياً، ألا انه يبقى الابرز في التعطيل، على الرغم من انّ ما يقوله باسيل في العلن يفعل نقيضه، اذ يشير في تصريحاته الاعلامية عكس ما يضمر، لذا ترقبوا قريباً حرب البيانات التي ستشتعل من جديد، خصوصاً انّ الوضع السياسي متدهور بين عون وميقاتي، الذي يطلق « اللطشات» في إتجاه بعبدا و» التيار» بطريقة غير مباشرة ومن تحت الطاولة، معتبراً بأنّ البعض مُصرّ على تحويل عملية تشكيل الحكومة الى بازار سياسي وإعلامي مفتوح، على شتى التسريبات والأقاويل والأكاذيب، في محاولة واضحة لإبعاد تهمة التعطيل عن باسيل وإلصاقها بالآخرين، آملاً بأنّ تُحتّم الظروف الصعبة تعالي الجميع، والارتقاء إلى أقصى درجات المسؤولية، من أجل المبادرة والإسراع في إنقاذ الوطن والشعب.
وختم المصدر بنقل إستياء عدد من الديبلوماسيين العرب والاجانب، من طريقة تعاطي الاطراف السياسية في لبنان مع بعضها، والاتهامات التي يتراشقون بها يومياً، من دون ان يراعوا هموم ومشاكل الوطن وأبنائه، وكأنّ الدنيا بألف خير، وقال: «الديبلوماسيون مندهشون من طريقة تعاطي الاحزاب والمسؤولين، ومن كيفية تغليبهم المصالح الخاصة على مصلحة وطنهم»!